والثاني: أن نفس هذا الدعاء يوضح أن أثره لم يقتصر على غذاء الجسم ولذة الفم، بل كانت كلمات الدعاء بالروحانية أقوى، فبعث رسول الوعد ورسول دعاء الخليل، بعث برفعة وشرف، فكان من أهل تلك البلدة تربطه بهم رابطة النسب، ولذا صح أن يقال له الأمي، نسبة إلى أم القرى.
ب - اسم الأمي منسوب إلى الأمة ومعناه: النبي (ص) الذي يكون مخدوما ومطاعا لأمة كبيرة، وتاء الأمة سقطت بسبب النسبة، كما يقال ((مكي)) في النسبة إلى مكة، وعلى هذا فإن كلمة الأمي تفسيرها موجود في حديث رواه مسلم عن أنس، وفيه: ((أذا أكثر الأنبياء تبعا)) [1].
ج - اسم النبي (ص) الأمي منسوب إلى الأم، بمعنى أن النبي (ص) مبرأ ومطهر من جميع العيوب والنقائص، بفطرته الطاهرة الزكية وبعصمة من الله تعالى، مثل الولد الذي
يولد من بطن أمه.
وانطلاقا من هذه المعاني أنشدت عائشة الأبيات التالية في النبي (ص)، وسر النبي (ص) بسماعها كثيرا ([2]):
ومبرء من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مخيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت بروق العارض المتهلل
د - الأمي نسبة إلى الأم، بمعنى أن النبي (ص) لم يرغب بعد الولادة في اكتساب العلوم والفنون، ولم ينقش في قلبه حرف كتابة أو قراءة، وهكذا كانت حالة العرب، فإنهم جهلوا الكتابة والقراءة، وكانوا يقضون حياتهم كلها على حالة الطفل الذي لم يذهب إلى مدرسة ولم يتلق دروسا ولم يمسك بيده قلما ولم يجر على لسانه درس. ولهذا سمى اليهود العرب بالأميين، {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} [3].
وقد صار هذا الاسم علما على أهل الجزيرة العربية، يقول تعالى:
{وهو الذي بعث في الأميين رسولا} [4]. [1] مسلم عن أنس. [2] الخصائص الكبرى 1/ 67. [3] سورة آل عمران: 75. [4] سورة الجمعة: 2.