عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - وعشيرته هكذا لثلاث سنوات وظل من أسلم محبوسا في بيته، وفي موسم الحج حين كاد الكفار يحرمون القتال، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج من الشعب يدعو الناس إلى الإيمان بالله، وكان الشقي التعس أبو لهب يمضي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: أيها الناس، هذا مجنون لا تسمعوا لحديثه، ومن يسمع له ويصدقه يهلك.
وتحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشدة بصبر لا ينفذ لثلاث سنوات، وحين أنزلت قريش الصحيفة التي كتبت فيها المعاهدة سابقة الذكر وجدوا الأرضة قد أتت عليها - إلا ذكر الله عز وجل - وبعدها خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشعب وبدأ يباشر دعوته.
وذات يوم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد الحرام حيث كان يجلس رؤساء المشركين، فلما رأى أبو جهل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ساخرا "ها هو نبيكم قد جاء يا بني عبد مناف".
قال عتبة بن ربيعة: وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك؟
فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأتاهم، وخاطب في البداية عقبة فقال:
"عقبة! ما حميت لله ورسوله، ولكن حميت لأنفك".
ثم قال لأبي جهل:
"والله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تضحك قليلا وتبكي كثيرا"
ثم قال لقريش: "والله لا يأتي عليكم غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون" [1].
وسوف يرى القراء كيف تحقق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وفاة أبي طالب وخديجة:
في السنة العاشرة من البعثة النبوية، توفي أبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ووالد علي المرتضى رضي الله عنه، وكان أبو طالب هو الذي ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ صباه، وحماه وأيده حين بدأ الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولهذا حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفاته حزنا شديدا. وبعد ذلك بثلاثة أيام توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، وكانت قد وهبت نفسها لمؤازرة النبي كما ضحت بمالها ومتاعها في سبيل الله، وكانت أول من أسلم، وقد بلغها جبريل [1] تاريخ الطبري المجلد الثاني [ص:231].