وروي أن الحسن بن علي لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: قد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن تأذن لي فأدفن في بيتها مع رسول الله. فقالت: نعم. وإني لا أدري لعل ذلك حياء منها، فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها فإن طابت نفسها فادفني في بيتها. وما أظن القوم إلا سيمنعونك إذا أردت ذلك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد.
فلما مات الإمام الحسن أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة. فبلغ ذلك مروان، فقال: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبدا، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن الحسن في بيت عائشة [1].
وهكذا مات الإمام الحسن في ربيع الأول سنة 59 هـ وهو في السادسة والأربعين، ودفن في جنب والدته [2]. وفي حديث أبي بكرة في ذلك:
"وإنه ريحانتي من الدنيا" [3].
وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال في الحسن والحسين:
"إنهما سيدا شباب أهل الجنة" وقال: "اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما" [4].
ويذكر العلامة ابن القيم حكاية عن رأي شرعي للإمام حسن رضي الله عنه في إحدى القضايا: أنه أتى برجل وجد في خربة بيده سكين متلطخ بدم وبين يديه قتيل يتشحط في دمه. فسأله علي رضي الله عنه فقال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعا، فقال: يا قوم! لا تعجلوا، ردوه إلى علي، فردوه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه، أنا قتلته. فقال علي للأول: ما حملك على أن قلت: أنا قاتله ولم تقتله؟ قال: يا أمير المؤمنين! وما أستطيع أن أصنع؟ وقد وقف العسس على [1] يظهر من قول مروان أن الظلم الذي تعرض له عثمان رضي الله عنه من قبل الثوار والبغاة شارك فيه أهل البيت أيضا، وهذا بهتان عظيم ويبدو أن هؤلاء الظلمة اتخذوا اسم عثمان الكريم جنة لإخفاء أعمالهم السيئة. وإلا ما كانوا من عثمان في شيء. [2] الاستيعاب (1/ 389). [3] الاستيعاب (1/ 385). [4] روى الإمام ابن عبد البر كلا الحديثين في كتابه "الاستيعاب".