ويعقب رحمه الله فيقول: " أفيستحل مسلم أن يقول: إن فلاناً وفلاناً كانا كافرين بما أنزل على محمد؟! ". (1)
كما ذكر رحمه الله أمثلة كثيرة للخطأ بالتأويل وعذر السلف في ذلك، نكتفي منها بخبر استلحاق معاوية لزياد بن أبيه المولود على فراش الحارث بن كلدة، فقد ألحقه بأبي سفيان، لأنه كان يقول: إنه من نطفته.
ورسول الله قضى أن الولد للفراش، وتوعد من ادعى إلى غير أبيه باللعن والحرمان من الجنة، فقال: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام)). (2)
قال ابن تيمية: "نعلم أن من انتسب إلى غير الأب الذي هو صاحب الفراش فهو داخل في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه لا يجوز أن يعين أحد دون الصحابة، فضلاً عن الصحابة، فيقال: إن هذا الوعيد لاحق به، لإمكان أنه لم يبلغهم قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الولد للفراش ... وهذا باب واسع، فإنه يدخل فيه جميع الأمور المحرمة بكتاب أو سنة إذا كان بعض الأمة لم يبلغهم أدلة التحريم، فاستحلوها، أو عارض تلك الأدلة عندهم أدلة أخرى". (3)
ومن أمثلة توقف السلف وامتناعهم عن تكفير المتأول توقف الصحابة في تكفير الخوارج "وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفّروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه طوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه". (4)
(1) مجموع الفتاوى (20/ 264).
(2) سبق تخريجه ص (31).
(3) مجموع الفتاوى (20/ 268).
(4) مجموع الفتاوى (3/ 282 - 283).