سبحانه لما حرم الخمر، وكان تحريمها بعد وقعة أحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فأنزل الله هذه الآية، بيّن فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يحرم فيها، فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين .. ". (1)
وإطلاق قول التكفير على المخطأ قبل بيان الحجة وقيام المحجة ليس بشيء، يقول شيخ الإسلام: " وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون، وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل". (2)
ومثل هذا التأول الخاطئ وقع فيه ابن عباس وأصحابه، فاستحلوا بيع الصاعين بالصاع، إذا كان يداً بيد، وتأولوا في ذلك، وبيانه في الخبر أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس فقال له: أرأيت قولك في الصرف، أشيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شيئاً وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال ابن عباس: كلا، لا أقول، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنتم أعلم به، وأما كتاب الله فلا أعلمه، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إنما الربا في النسيئة)). (3)
يقول ابن تيمية عن الأكابر من الصحابة والتابعين الذين قالوا بهذا القول الخاطئ: "هم من صفوة الأمة علماً وعملاً، لا يحل لمسلم أن يعتقد أن أحداً منهم بعينه، أو من قلده بحيث يجوز تقليده، تبلغهم لعنة آكل الربا، لأنهم فعلوا ذلك متأولين تأويلاً سائغاً في الجملة". (4)
ثم ذكر رحمه الله مثالاً آخر لتأول بعض السلف من أهل المدينة، الذين أباحوا إتيان محاش النساء، مع ورود الوعيد الشديد في ذلك: ((من أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد)). (5)
(1) شرح العقيدة الطحاوية (324).
(2) مجموع الفتاوى (7/ 110).
(3) رواه مسلم ح (1596).
(4) مجموع الفتاوى (20/ 263).
(5) رواه الترمذي بلفظ مقارب ح (135)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (116).