responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 93
- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إِذَا كَانَتِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ؛ فَمَا الجَوَابُ عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِيْ فِيْهَا الاسْتِعَاذَةُ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِحُضُوْرِهِ أَيْضًا - دُوْنَ إِنْكَارٍ مِنْهُ عَلَى المُسْتَعِيْذِ بِهِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيْثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ (أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَقَالَ: أَعُوْذُ بِرَسُوْلِ اللهِ، فَتَرَكَهُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاللهِ؛ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ)، قَالَ: فَأَعْتَقَهُ). (1)
الجَوَابُ:
قَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ تَجُوْزُ إِذَا تَحَقَّقَتْ ثَلَاثَةُ شُرُوْطٍ، وَهِيَ كَوْنُ المَدْعُوِّ أَوِ المُسْتَعَاذِ بِهِ حَيًّا؛ حَاضِرًا أَمَامَهُ؛ قَادِرًا عَلَى مَا أُعِيْذَ بِهِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ فَلَا مَحْذُوْرُ فِي ذَلِكَ، وَيَكُوْنُ الأَخْذُ بِهَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ المَأْذُوْنِ بِهَا. (2)
وَلِذَلِكَ لَا تَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ أَنَّ أَحَدًا:
أ- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ.
ب- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
ج- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ البَشَرُ.
وَأَمَّا بِخُصُوْصِ نَفْسِ الحَدِيْثِ؛ فَالغُلَامُ اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا رَآهُ - لِيَنْجُوَ مِنَ العَذَابِ؛ وَلَيْسَ حَالَ غِيَابِهِ - لِاعْتِقَادِهِ قُوْةً ذَاتِيَّةً فِي النَّفْعِ أَوِ كَشْفِ الضُّرِّ فِيْهِ! -، وَدَلَّ لِذَلِكَ لَفْظُ الحَدِيْثِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [3]؛ وَفِيْهِ (بَيْنَا رَجُلٌ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ - وَهُوَ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللَّهُ -؛ إِذْ بَصُرَ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعُوْذُ بِرَسُوْلِ اللهِ).
- فَائِدَةٌ) أَمَّا وَجْهُ تَرْكِ أَبِي مَسْعُوْدٍ لِضَرْبِ الغُلَامِ عِنْدَ الاسْتِعَاذَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَرَكَهُ عِنْدَ الاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ تَعَالَى - هُوَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْقِلْ مَا حَوْلَهُ مِنَ الكَلَامِ لِشِدَّةِ الغَضَبِ؛ فَلَمَّا رَآى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ - كَمَا فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ -؛ وَفِيْهِ قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ البَدْرِيُّ: (كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ؛ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ). فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ؛ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ). قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ)، فَقَالَ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ؛ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ). فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا).
قَالَ القَاضِي عِيَاضُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِكْمَالُ المُعْلِمِ شَرْحُ مُسْلِمٍ): (فَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْ إِسْتِعَاذَتَهُ الأُوْلَى لِشِدَّةِ غَضَبِهِ؛ كَمَا لَمْ يَسْمَعْ نِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ، أَوْ يَكُوْنُ لَمَّا اسْتَعَاذَ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَبَّهَ لِمَكَانِهِ). (4)

(1) مُسْلِمٌ (1659).
وَمِثْلُهُ أَيْضًا الحَدِيْثُ الَّذِيْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (15954)؛ أَنَّ الحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ البَكْرِيَّ قَالَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعُوْذُ بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ أَنْ أَكُوْنَ كَوَافِدِ عَادٍ) - عَلَى القَوْلِ بِعَدَمِ شُذُوْذِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الفَاضِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيَّةُ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مَوْسُوْعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي نَقْدِ أُصُوْلِ فِرْقَةِ الأَحْبَاشِ وَمَنْ وَافَقَهُم فِي أُصُوْلِهِم) (74/ 1) - حَيْثُ حَسَّنَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. اُنْظُرِ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (1228).
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الحَدِيْثِ (كَوَافِدِ عَادٍ) فَهُوَ مَثَلٌ مَعْنَاهُ - كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ (مُحَاضَرَاتُ الأُدَبَاءِ) (388/ 1) -: (وَوَافِدُ عَادٍ: هُوَ الَّذِيْ بَعَثُوْهُ إِلَى الحَرَمِ لِيَسْتَسْقِي لَهُم؛ فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ؛ فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُ الخَمْرَ وَتُغَنِّي لَهُ الجَرَادَتَانِ، ثُمَّ أَتَى جِبَالَ مَهْرَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَجِئْ لِفَائِتٍ فَأُوْدِيْهِ، وَلَا لِأَسِيْرٍ فَأَفْادِيْهِ، وَلَا لِمَرِيْضٍ فَأُدَاوِيْهِ، اللُّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيْهِ! فَعَرَضَتْ لَهُم سَحَابَةٌ أَهْلَكَتْهُم). وَ (الجَرَادَتَانِ): مُغَنِّيَتَانِ مَعْرُوْفَتَانِ عِنْدَ العَرَبِ.
وَلَكِنْ هُنَا يَبْقَى إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ العَطْفِ فِي قَوْلِهِ (أَعُوْذُ بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ) حَيْثُ قَدْ ثَبَتَ فِي الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ: (أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا? بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ). صَحِيْحٌ. النَّسَائِيُّ فِي الكُبْرَى (10759). صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (783).
وَالجَوَابُ عَلَيْهِ - عِنْدِي - هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أ) أَنْ يَكُوْنَ هَذَا قَبْلَ النَّهْي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرْكَ فِي الأَلْفَاظِ لَمْ يَكُنْ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ أَوْلًا، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا؛ فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ، وَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُوْلُوْنَ كَلِمَةً كَانَ يَمْنُعُنِي الحَيَاءُ مِنْكُمْ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا، - قَالَ -: لَا تَقُوْلُوا مَا شَاءَ اللهُ وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ). صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (20694) عَنْ طُفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (138).
ب) أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةِ (وَرَسُوْلِهِ) قَدْ تَكُوْنُ وَهْمًا وَتَصَرُّفًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -، وَوَجْهُ ذَلِكَ يَظْهَرُ مِنْ نَاحِيَتَيْنِ:
الأُوْلَى: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الحَدِيْثِ النَّهْيُ عَنِ العَطْفِ بِالوَاوِ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَالرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيْثِ - لَا سِيَّمَا وَأَنَّ إِعَاذَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَايِنَةٌ لِإِعَاذَةِ اللهِ تَعَالَى.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَكْثَرَ أَلْفَاظِ الحَدِيْثِ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى قَوْلِهِ (أَعُوْذُ بِاللهِ) فَقَط، دُوْنَ زِيَادَةِ (وَرَسُوْلِهِ)، كَمَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي:
- تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (512/ 14).
- سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ (3273).
- الاسْتِيْعَابُ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ (286/ 1).
- العَظَمَةُ لِأَبِي الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِيِّ (1320/ 4)، وَهِيَ عِنْدَهُ بِلَفْظِ (فَأَعُوْذُ بِاللهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَنْ أَكُوْنَ كَوَافِدِ عَادٍ)، وَهَذَا أَقْرَبُ لِكَوْنِ لَفْظَةِ (وَرَسُوْلِهِ) بِالعَطْفِ وَهْمٌ أَوْ تَصْحِيْفٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
- الأحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الكُبْرَى لِلإِشْبِيْلِيِّ (212/ 4).
(2) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ تَتَضَمَّنُ عَمَلَيْنِ:
أ) عَمَلٌ بَاطِنٌ؛ وَهُوَ تَوَجُّهُ القَلْبِ وَسَكَنُهُ وَاضْطِرَارُهُ وَحَاجَتُهُ إِلَى هَذَا المُسْتَعَاذِ بِهِ وَاعْتِصَامُهُ بِهِ، وَتَفْوِيْضُ أَمْرِ نَجَاتِهِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوْزُ لِغَيْرِ اللهِ وَحْدَهُ سَوَاءً كَانَ المَطْلُوْبُ فِي طَاقَةِ المَخْلُوْقِ أَمْ لَا.
ب) عَمَلٌ ظَاهِرٌ؛ وَهُوَ الطَّلَبُ، وَهَذَا القَدْرُ وَحْدَهُ يَجُوْزُ مِنَ المَخْلُوْقِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيْهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: حَيٌّ، حَاضِرٌ، قَادِرٌ. (1) وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ فَإِنَّ طَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ اللهِ شِرْكٌ.
كَمَا فِي البُخَارِيِّ (3601)، وَمُسْلِمٌ (2887) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (سَتَكُوْنُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي. مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ. فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ).
[3] (17957).
(4) إِكْمَالُ المُعْلِمِ (223/ 5).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 93
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست