responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 79
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- المَسْأَلَةُ الأُوْلَى) ثَبَتَتْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ فِي كَنِيْسَةٍ! فَمَا الجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ (1)
الجَوَابُ هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
1) أَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ المُسْلِمِ فِي الكَنِيْسَةِ تُخَالِفُ صِفَةَ صَلَاةِ النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِم، فَلَا يَكُوْنُ المُسْلِمُ مُتَشَبِّهًا بِهَذَا العَمَلِ؛ بِخِلَافِ الذَّبْحِ فِي مَكَانٍ يُذْبَحُ فِيْهِ لِغَيْرِ اللهِ فَإِنَّ الفِعْلَ وَاحِدٌ؛ أَيْ: مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ عِبَادَةً، وَكَوْنِهِ ذَبْحًا. (2)
2) أَنَّ الكَنَائِسَ بُنِيَتْ أَصْلًا لِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الشِّرْكُ، فَهِيَ تُخَالِفُ الأَمَاكِنَ الَّتِيْ اتُّخِذَتْ لِلشِّرْكِ المَحْضِ فِي الأَصْلِ، لِذَلِكَ إِذَا كَانَ الشِّرْكُ فِيْهَا ظَاهِرًا - كَمَا هُوَ الآنَ - فَلَا يُصَلَّى فِيْهَا [3]، كَمَا فِي البُخَارِيِّ (وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُم مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيْلِ الَّتِيْ فِيْهَا الصُّوَرُ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البِيْعَةِ إِلَّا بِيْعَةً فِيْهَا تَمَاثِيْلٌ). [4] (5)
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا خَلَا المَكَانُ مِنَ المَوَانِعِ جَازَتِ الصَّلَاةُ، وَمِنْ هَذِهِ المَوَانِعِ: حُدُوْثُ المُشَابَهَةِ، وُوُجُوْدُ التَّصَاوِيْرِ وَمَظَاهِرِ الشِّرْكِ. [6] (7)

(1) صَحِيْحُ البُخَارِيِّ (94/ 1) - بَابُ الصَّلَاةِ فِي البِيْعَةِ -: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيْلِ الَّتِيْ فِيْهَا الصُّوَرُ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيْهَا تَمَاثِيْلُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (التَّمْهِيدُ) (229/ 5): (وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي كَنِيْسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ مَاضِيَةٌ جَائِزَةٌ).
(2) وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ هَيئَتُهَا وَاحِدَةٌ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالمُنَافِقِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ هُنَاكَ، عَدَا عَمَّا فِيْهِ مِنْ سَائِرِ المُخَالَفَاتِ الَّتِيْ سَبَقَ ذِكْرُهَا.
[3] مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (42)، شَرْحُ البَابِ. بِتَصَرُّفٍ يِسِيْرٍ.
قُلْتُ: وَمَفْهُوْمُ كَلَامِهِ - هُنَاكَ - أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمِثْلِ الكَنَائِسِ وَالبِيَعِ، وَدُوْنَ وُجُوْدِ الصُّوَرِ فِيْهَا.
[4] البُخَارِيُّ (94/ 1).
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ البُخَارِيِّ (89/ 2): (اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي البِيَعِ وَالكَنَائِسِ؛ فَكَرِهَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ الصَّلَاةَ فِيْهَا مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ: انْضَحُوْهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَصَلُّوا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
ذَكَرَ إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكٍ؛ قَالَ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الكَنَائِسِ لِمَا يُصِيْبُ فِيْهَا أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِ الخَنَازِيْرِ وَالخُمُورِ وَقِلَّةِ احْتِيَاطِهِم مِنَ النَّجَسِ؛ إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ طِيْنٍ أَوْ مَطَرٍ، إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا نَجَسٌ).
(5) وَأَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَلَهُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الجَعْدِيَّاتِ بِزِيَادَةِ (إِنْ كَانَ فِيْهَا تَمَاثِيْلُ؛ خَرَجَ فَصَلَّى فِي المَطَرِ). وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (1611). اُنْظُرْ كِتَابَ (فَتْحُ البَارِي) (532/ 1) لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ.
[6] قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الثَّمَرُ المُسْتَطَابُ) (395/ 1): (ثُمَّ حَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ العُلَمَاءِ التَّرْخِيْصَ فِي الصَّلَاةِ فِي الكَنِيْسَةِ وَالبِيْعَةِ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِيْمَا إِذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنِ الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيْلِ كَمَا يُفِيْدُهُ أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ بَعِيْدٌ عَنِ الصَّوَابِ، لِأَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيْهِ صُوْرَةٌ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَةَ حَتَّى مَحَا مَا فِيْهَا مِنَ الصُّوَرِ، ثُمَّ هِيَ بِمَنْزِلَةِ المَسْجِدِ المَبْنِيِّ عَلَى القَبْرِ كَمَا قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ (فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى) (462/ 17): ((أُوْلَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيْهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيْهِ تِلْكَ التَّصَاوِيْرَ، أُوْلَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيْهَا صُوَرٌ فَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ فِي الكَنِيْسَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). وَقَالَ فِي (الاخْتِيَارَاتِ): (وَالمَذْهَبُ الَّذِيْ عَلَيْهِ عَامَّةُ الأَصْحَابِ كَرَاهَةُ دُخُوْلِ الكَنِيْسَةِ المُصَوَّرَةِ؛ فَالصَّلَاةُ فِيْهَا وَفِي كُلِّ مَكَانٍ فِيْهِ تَصَاوِيْرُ أَشَدُّ كَرَاهَةً. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِيْ لَا رَيْبَ فِيْهِ وَلَا شَكَّ)).
(7) قُلْتُ: وَمِمَّا تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ صَلَاةَ المُسْلِمِ فِي كَنِيْسَةٍ - وَلَوْ خَلَتْ مِنَ الصُّوَرِ - فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ؛ تَخْتَلِفُ عَنْ صَلَاةِ المُسْلِمِ فِي هَذَا الزَّمَنِ؛ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الإِسْلَامِ وَظُهُوْرِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، بِخِلَافِ هَذَا الزَّمَنِ الَّذِيْ ظَهَرَتْ فِيْهِ العِلْمَانِيَّةُ وَدَعْوَى (وَحْدَةِ الأَدْيَانِ) وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّعَاوَى المُمَيِّعَةِ لِلإِسْلَامِ؛ مِمَّا تَكُوْنُ فِيْهِ صَلَاةُ المُسْلِمِ اليَوْمَ فِي كَنِيْسَةٍ - وَلَوْ خَلَتْ مِنَ الصُّوَرِ؛ وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ - أَشَدَّ حَظْرًا لِدِلَالَتِهَا عَلَى وَحْدَةِ المَضْمُوْنِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ؛ بِخِلَافِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيْلِ الَّتِيْ فِيْهَا الصُّوَرُ) فَهُوَ صَرِيْحٌ فِي ظُهُوْرِ عِزَّةِ المُسْلِمِ وَمُبَايَنَتِهِ لِلكُفَّارِ فِي طُقُوْسِهِم وَمَظَاهِرِهِم وَإِنْكَارِهِ لِشِرْكِهِم المُتَمَثِّلِ فِي الصُّوَرِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست