responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 58
- التَّبَرُّكُ بِالأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ: مِنْهُ المَشْرُوْعُ وَمِنْهُ المَمْنُوْعُ:
1) التَّبَرُّكُ المَشْرُوْعُ بِالأَنْبِيَاءِ: إِنَّ بَرَكَةَ الأَنْبِيَاءِ جَارِيَّةٌ وُفْقَ نَوْعِيْنِ:
أ) بَرَكَةٌ حِسِّيَّةٌ - وَهِيَ بَرَكَةُ ذَاتٍ وَآثَارٍ وَأَفْعَالٍ -: وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (1)
ب) بَرَكَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ - وَهِيَ بَرَكَةُ الإِسْلَامِ وَالخَيْرِ الَّذِيْ جَاءَ بِهِ -: وَهَذِهِ يَشْتَرِكُ فِيْهَا العُلَمَاءُ وَالصَّالِحُوْنَ مَعَ الأَنْبِيَاءِ. (2)
وَلِهَذا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ الَّذِيْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ [3] مِنْ حَدِيْث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ إِذَا أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ)، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ؛ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُوْلَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُوْلَ اللهِ، ثُمَّ التَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هِيَ النَّخْلَةُ) [4]. فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ بَرَكَةٌ بِقَدْرِ إِسْلَامِهِ، وَلَيْسَتْ هِيَ بَرَكَةُ ذَاتٍ؛ وَإِنَّمَا هِيَ بَرَكَةُ عَمَلٍ بِالشَّرْعِ.

(1) وَهَاكَ أَمْثِلَةً:
- أَمَّا بَرَكَةُ الذَّاتِ: فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: كَانَ - أَي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيْهَا المَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءِ إِلَّا غَمَسَ يَدَهَ فِيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2324).
- وَأَمَّا بَرَكَةُ الآثَارِ - كَالرِّيْقِ وَالشَّعْرِ وَالعَرَقِ -: فَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَة؛ أَنَّهُ قَالَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاللَّهِ؛ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2731).
وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (2069) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تُخْبِرُ عَنْ جُبَّةٍ كَانَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَتْ: (هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا - فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى). وَفِي الحَدِيْثِ دِلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ المُنْفَصِلَةِ عَنْ جَسَدِهِ الشَّرِيْفِ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا التَّبَرُّكُ بِالذَّاتِ وَبِالآثَارِ قَدِ انْقَطَعَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ آثَارِهِ بَاقِيًا بِيَقِيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ المُتَيَقَّنُ مَعَ انْقِرَاضِ قَرْنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
- وَأَمَّا بَرَكَةُ الأَفْعَالِ: فَهُوَ كَمَا فِي حَدِيْثِ تَكْثِيْرِ المَاءِ بَيْنَ يَدِيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَكْثِيْرِ الطَّعَامِ فِي قِصَّةِ وَلِيْمَةِ جَابِرٍ. وَالأَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ، وَهِيَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
(2) وَهَذِهِ البَرَكَةُ الحَاصِلَةُ مِنْ صُوَرِهَا: الهِدَايَةُ وَالنَّصْرُ فِي الدُّنْيَا، وَالجَنَّةُ وَالنَّجَاةُ مِنَ العَذَابِ فِي الآخِرَةِ.
وَكَمَا فِي حَدِيْثِ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الخَيْرِ؛ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ - مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي -، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيْرِ ....). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3606).
[3] البُخَارِيُّ (5444).
[4] قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (155/ 17): وَالجُمَّارُ: (- بِضَمِّ الجِيْمِ وَتَشْدِيْدِ المِيْمِ - وَهُوَ الَّذِيْ يُؤْكَلُ مِنْ قَلْبِ النَّخْلِ، يَكُوْنُ لَيِّنًا).
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (146/ 1): (وَبَرَكَةُ النَّخْلَةِ فِي جَمِيْعِ أَجْزَائِهَا مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيْعِ أَحْوَالِهَا، فَمِنْ حِيْنِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ تُؤْكَلُ أَنْوَاعًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتَفَعُ بِجَمِيْعِ أَجْزَائِهَا حَتَّى النَّوَى فِي عَلَفِ الدَّوَابِ وَاللِّيْفِ فِي الحِبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ المُسْلِمِ عَامَّةٌ فِي جَمِيْعِ الأَحْوَالِ وَنَفْعُهُ مُسْتَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيِرْهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست