responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 57
- مَعْنَى (تَبَارَكَ): قَالَ فِيْهِ أَهْلُ العِلْمِ مَعْنَيَيْنِ:
1) تَبَارَكَ: تَعَاظَمَ، فَقَدْ جَاءَتْ عَلَى بِنَاءِ السَّعَةِ وَالمُبَالَغَةِ كَـ (تَعَالَى) وَهُوَ الَّذِيْ يَدُلُّ عَلَى كَمَال العُلُوِّ، فَكَذَلِكَ (تَبَارَكَ) دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ بَرَكَتِهِ وَعِظَمِهَا وَسِعَتِهَا. (1)
2) تَبَارَكَ: أَيْ: جَاءَ بِكُلِّ برَكَةَ.
ولِمَا سَبَقَ مِنَ المَعْنَى فَهِيَ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى، فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى كَمَا أَطْلَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ {تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ} (الأَعْرَاف:54). أَلَا تَرَاهَا كَيْفَ أُطْرِدَتْ فِي القُرْآنِ جَارِيَةً عَلَيْهِ مُخْتَصَّةً بِهِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ. (2)
- أَسْبَابُ التَّبَرُّكِ المَمْنُوْعِ:
1) الجَهْلُ بِالدِّيْنِ: وَتأمَّلْ قَوْلَ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ قَوْمِهِ {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائِيْلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُوْنَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوْسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأَعْرَاف:138).
وَهَذَا الجَهْلُ نَاشِئٌ عَنْ سُكُوْتِ أَهْلِ العِلْمِ، وَتَشْجِيْعِ أَهْلِ البِدَعِ [3]، وَالتَّقْلِيْدِ الأَعْمَى.
2) الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِيْنَ: كَمَا فِي البُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوْعًا (لَا تُطْرُوْنِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُوْلُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ). (4)
3) التَّشَبُّهُ بِالكُفَّارِ: كَمَا فِي حَدِيْثِ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ مَرْفُوْعًا (لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [5] (6)
4) تَعْظِيْمُ الآثَارِ: وَهُوَ نَاتِجٌ عَنْ تَسَاهُلِ كَثِيْرٍ مِنَ العُلَمَاءِ فِي رِوَايَةِ أَحَادِيْثِ فَضَائِلِ الآثَارِ المَكَانِيَّةِ الضَّعْيِفَةِ وَالمَوْضُوْعَةِ.
عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَأْتُوْنَ الشَّجَرَةَ فَيُصَلُّوْنَ عِنْدَهَا فَتَوَعَّدَهُم ثُمَّ أُمِرَ بِقَطْعِهَا؛ فَقُطِعَتْ. (7)
- وَسَائِلُ مُقَاوَمَةِ التَّبَرُّكِ المَمْنُوْعِ:
1) نَشْرُ التَّوْحِيْدِ، وَبَيَانُ حَقِيْقَتِهِ، وَتَعْلِيْمُهُ لِلنَّاسِ، وَكَمَا يُقَالُ: (وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأَشْيَاءُ). (8)
2) نَشْرُ العِلْمِ الصَّحِيْحِ، وَالتَّحَرِّيْ فِيْمَا يُنْقَلُ وَيُذكَرُ مِنَ الأَحَادِيْثِ وَالآثَارِ، وَتَوْجِيْهِ مَا صَحَّ مِنْهَا.
3) الدَّعْوَةُ إِلَى المَنْهَجِ الحَقِّ؛ بَالرُّجُوْعِ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
4) إِزَالَةُ وَسَائِلِ الغُلوِّ وَمَظَاهِرِ التَّبَرُّكِ المَمْنُوْعِ - وَكُلٌّ بِحَسْبِ وِلَايَتِهِ وَقُدْرَتِهِ - كَمَا فِي كَسْرِ النَّبِيِّ مَحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيْمَ لِلأَصْنَامِ، وَتَحْرِيْقِ مُوْسَى لِلعِجْلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (9)

(1) قَالَ الشَّيخُ صَالِحُ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ العَقِيْدَةِ الوَاسِطِيَّةِ - شَرِيْط رَقَم (11) -: (ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (تَبَارَكَ): تَعَاظَمَ. قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَقَّقِيْنَ: لَا يُرِيْدُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ (تَبَارَكَ: تَعَاظَمَ) أَنَّهُ تَفْسِيْرٌ لِلَّفْظِ وَلَكِنْ يَقُوْلُ: هِيَ عَلَى وَزْنِها مِنْ جِهِةِ كَوْنِهَا مَقْصُوْرَةً، لِأَنَّ الأَصْلَ فِي (تَفَاعَلَ) أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَا يَكُوْنُ لَازِمًا، تَقُوْلُ: تَقَاتَلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَتَشَاجَرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَهَكَذَا. فَـ (تَفَاعَلَ) فِي الأَصْلِ أَنَّهَا تَكُوْنُ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
فَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَّرَهَا بِمَعْنَى (تَعَاظَمَ)، يُرِيْدُ أَنَّهَا لَازِمةٌ، لَا يُرِيْدُ مَعْنَى كَلِمَةَ (تَبَارَكَ)، وَإِلَّا فَإِنَّ البَرَكَةَ مَعْنَاهَا دَوَامُ الخَيْرِ وَثَبَاتُهُ وَاسْتِقْرَارُهُ، وَهَذَا مُشْتَقٌّ عِنْدَ العَرَبِ مِنَ البُرُوْكِ وَالبِرْكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالبُرُوكُ بِهِ يَسْتَقِرُ البَعِيْرُ وَيَثْبُتُ فِي مَكَانِهِ، وَالبِرْكَةُ هِيَ الَّتِيْ فِيْهَا يَدُوْمُ المَاءُ وَيَسْتَقِرُ وَيَثْبُتُ بَعْدَ المَطَرِ). وَاللهُ أَعْلَمُ.
(2) وَتَفْسِيْرُ السَّلَفِ يَدُوْرُ عَلَى هَذِيْنِ المَعْنَيَيْنِ. تَمَّ بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ مِنْ كِتَابِ (بَدَائِعُ الفَوَائِدِ) (ص680) لِابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ.
[3] وَرُؤُوْسُهُم هُم مِنَ الرَّافِضَةِ وَالمُتَصَوِّفَةِ.
(4) البُخَارِيُّ (3345).
[5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (7320)، وَمُسْلِمٌ (2669).
(6) وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا التَّشَبُّهِ: إِقَامَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ وَالأَعْيَادِ المُبْتَدَعَةِ، وَبِنَاءُ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُوْرِ.
(7) أَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (448/ 7)، وَقَالَ (وَجَدْتُ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ أَنَّ ...).
وَلَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الأَثَرَ فِي كِتَابِهِ (تَحْذِيْرُ السَّاجِدِ) (ص116): (ثُمَّ اسْتَدْرَكْتُ فَقُلْتُ: يُبْعِدُ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ فِي كِتَابِ الجِهَادِ مِنْ طَرِيْقٍ أُخْرَى عَنْ نَافِعٍ؛ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (رَجَعْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِيْ بَايَعْنَا تَحْتَهَا؛ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللهِ). (يَعْنِي: خَفَاءَهَا عَلَيْهِم)، فَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ لَمْ تَبْقَ مَعْرُوْفَةَ المَكَانِ يُمْكِنُ قَطْعُهَا مِنْ عُمَرَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ القَطْعِ الدَّالُّ عَلَيْهِ الانْقِطَاعُ الظَّاهِرُ فِيْهَا نَفْسِهَا، وَمِمَّا يَزِيْدُهَا ضَعْفًا مَا رَوَى البُخَارِيُّ فِي المَغَازِي مِنْ صَحِيْحِهِ عَنْ سَعِيْد بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِيْهِ؛ قَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا).
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ (الاسْتِذْكَارُ) (360/ 2): (وَقَدْ كَرِهَ مَالِكُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ طَلَبَ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ الَّتِيْ بُوْيِعَ تَحْتَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ. وَذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - مُخَالَفَةً لِمَا سَلَكَهُ اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ).
(8) وَيَكُوْنُ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ المُحَاضَرَاتِ وَالنَّدَوَاتِ فِي مَوْضُوْعِ التَّبَرُّكِ، وَأَيْضًا بِغَزْوِ القُبُوْرِيينَ عِنْدَ أَضْرِحَتِهِم، وَبَيَانِ ضَلَالِهِم بِالحُجَّةِ وَالبُرْهَانِ، وَإِقَامَةِ المُنَاظَرَاتِ مَعَهُم كَمَا فِي مُحَاجَّةِ إِبْرَاهِيْمَ لِقَوْمِهِ؛ وَهُوْد مَعَ قَوْمِهِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ يَجِبُ عَلَى الشَّبَابِ المُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ دَوْرَهُ فِي ذَلِكَ - وَلَكِنْ مُتَسَلِّحًا بِالعِلْمِ - وَهَذَا يَحْتَاجُ لِسَعْيٍ وَصَبْرٍ وَمَنْهَجٍ قَوِيْمٍ وَرُجُوْعٍ لِلعُلَمَاءِ الرَّاسِخِيْنَ، فَالإِسْلامُ لَا يَقُوْمُ عَلَى الشَّبَابِ الهَزِيْلِ، قَالَ تَعَالَى: {مِنَ المُؤْمِنِيْنَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأَحْزَاب:23).
(9) وَلَا تَخْفَى هُنَا مُرَاعَاةُ المَصَالِحِ وَالمَفَاسِدِ وَمَصْلَحَةُ الدَّعْوَةِ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست