responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 573
- الشُّبْهَةُ الثَّامِنَةُ) الطَّلَبُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَالغَائِبِيْنَ لَا يُسَمَّى دُعَاءً بَلْ هُوَ نِدَاءٌ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ دُعَاءِ الأَمْوَاتِ فَقَط؛ وَلَيْسَ عَنْ نِدَائِهِم!
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ؛ فَالنِّدَاءُ هُوَ الدُّعَاءُ، وَلَكِنَّ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ رَفْعِ الصَّوْتَ وَخَفْضِهِ، وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ حَقِيْقَةِ المَعْنَى.
قَالَ أَبُو الهِلَالِ العَسْكَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مُعْجَمُ الفُرُوْقِ اللُّغَوِيَّةِ) [1]: (الفَرْقُ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالدُّعَاءِ: أَنَّ النِّدَاءَ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِمَالَهُ مَعْنَىً، وَالعَرَبِيُّ يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: نَادِ مَعَي؛ لِيَكُوْنَ ذَلِكَ أَنْدَى لِصَوْتِنَا؛ أَيْ: أَبْعَدَ لَهُ، وَالدُّعَاءُ يَكُوْنُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَخَفْضِهِ، يُقَالُ: دَعَوْتُهُ مِنْ بَعِيْدٍ وَدَعَوْتُ اللهَ فِي نَفْسِي، وَلَا يُقَالَ: نَادَيْتُهُ فِي نَفْسِي).
2) أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الشَّرِيْعَةِ؛ فَقَدْ سَمّى اللهُ تَعَالَى النِّدَاءَ دُعَاءً فِي كَثِيْرٍ مِنَ المَوَاضِعِ، وَإِلَيْكَ بَعْضَهَا:
قَالَ تَعَالَى عَنْ نَوْحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوْبٌ فَانْتَصِرْ} (القَمَر:10)، وَقَالَ أَيْضًا {وَنُوْحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيْمِ} (الأَنْبِيَاء:76)،
وَقَالَ عَنْ زكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (مَرْيَم:[3])، وَقَالَ أَيْضًا {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} (آلِ عِمْرَان:38)،
وَقَالَ عَنْ يُوْنُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَذَا النُّوْنِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ} (الأَنْبِيَاء:87)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّوْنِ - إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوْتِ -: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ) ([2]
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَقُوْلُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيْبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} (الكَهْف:52) فَسَمَّى اللهُ تَعَالَى النِّدَاءَ مِنْهُم دُعَاءً.
3) أَنَّ هَذَا ضَلَالٌ مِنْ جِهَةِ المَعْنَى؛ فَمَا الغَايَةُ مِنْ نِدَائِهِم، وَقَدْ فَرَّقَ اللهُ تَعَالَى بَيْنَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ، وَجَعَلَ الاسْتِجَابَةَ لِلحَيِّ دُوْنَ المَيِّتِ، فَنِدَاؤُهُ هُوَ كَنِدَاءِ الجِدَارِ الأَصَمِّ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِيْ هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلَا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُوْرِ} (فَاطِر:22)،
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُوْنِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيْبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُوْنَ} (الأَحْقَاف:[5]). (3)
4) أَنَّ الطَّلَبَ مِنَ الحَيِّ - سَوَاءً سُمِّيَ نِدَاءً أَوْ دُعَاءً - يَجُوْزُ فِي الأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِيْ أَقْدَرُ اللهُ تَعَالَى البَشَرَ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوْكُمْ فِي الدِّيْنِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأَنْفَال:72)، أَمَّا مَا كَانَ مُخْتَصًا بِاللهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ مِنَ الإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ وَالفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالفَوْزِ بِالآخِرَةِ وَكَشْفِ الكُرُبَاتِ وَمَعْرِفَةِ مَا فِي الضَّمِيْرِ وَالرِّزْقِ بِالبَنِيْن وَالإِمْدَادِ بِالأَمْوَالِ مِنَ الغَيْبِ - وَكُلِّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاقَةِ البَشَرِ - فَلَا يَجُوْزُ، وَهُوَ مِنَ الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ الرُّبُوْبِيَّةِ فَضْلًا عَنْ جِهَةِ العُبُوْدِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوْهُمْ فَلْيَسْتَجِيْبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} (الأَعْرَاف:194).
وَأَيْضًا الطَّلَبُ مِنَ الغَائِبِ مِنَ البَشَرِ - وَإِنْ كَانَ حَيًّا - لَا يَجُوْزُ، لِأَنَّ هَذَا المَدْعُوَ بَشَرٌ لَا يَسْمَعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْمَعُهُ البَشَرُ؛ فَدَعْوَى سَمَاعِهِ وَحُضُوْرِهِ هُوَ إِشْرَاكٌ بِهِ مَعَ اللهِ تَعَالَى الَّذِيْ هُوَ مَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا، فَيَكُوْنُ ذَلِكَ شِرْكًا فِي المَعِيَّةِ وَالعِلْمِ وَالإِحَاطَةِ.
وَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّ نِدَاءَ الأَمْوَاتِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الكُفَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَخْلُقُوْنَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُوْنَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ} (النَّحْل:21). [4] (5)

[1] مُعْجَمُ الفُرُوْقِ اللُّغَوِيَّةِ (ص38).
[2] صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (3505) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (5695).
[3] وَتَأَمَّلِ التَّعْبِيْرَ بِـ (مَنْ) الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ المَدْعُوَّ مِنْ دُوْنِ اللهِ عَاقِلٌ وَلَيْسَ بِجَمَادٍ أَصَمٍّ، فَهُم كَانُوا يَعْبُدُوْنَ الصَّالِحِيْنَ وَالمَلَائِكَةَ طَمَعًا فِي شَفَاعَتِهِم.
[4] بَلْ لَوْ كَانَ المَيِّتُ يَقْضِي حَوَائِجَ المُسْلِمِيْنَ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الجاري بَعْدَ مَوْتِهِ، فَمَا الجَمْعُ مَعَ الحَدِيْثِ الَّذِيْ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، وَلَكِنَّ الأَمْرَ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ} (يُوْنُس:32).
[5] وَيُقَالُ أَيْضًا لِهَذَا المُسَاوِي بَيْنَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى إِنْسَانٌ إِنْسَانًا مَالًا وَقَالَ: أَوْدِعْهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، فَذَهَبَ بِهِ الوَكِيْلُ وَأَوْدَعَهُ عِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ كَالشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، وَقَالَ: هَذَا وَدِيْعَةٌ عِنْدَكَ لِفُلَانٍ وَاسْتَحْفَظَهُ إِيَّاهُ؛ فَضَاعَ! لَعَدَّهُ النَّاسُ مَجْنُوْنًا وَلَأَلْزَمُوْهُ الضَّمَانَ.
وَكَمَا لَوْ أَنَّ مُغَسِّلًا - يُغَسِّلُ مَيِّتًا - ذَهَبَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي أَنْ يُغَسِّلَهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ حَارٍّ! أَلَا يَكُوْنُ عِنْدَ جَمِيْعِ النَّاسِ أَحْمَقًا؟! فَكَيْفَ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ؛ وَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالِ مَيِّتٌ بَيْنَ يَدِي مُغَسِّلٍ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 573
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست