responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 574
- الشُّبْهَةُ التَّاسِعَةُ) إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُمَلِّكُ الشَّفَاعَةَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ هُمُ الصَّالِحُوْنَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا يَمْلِكُوْنَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (مَرْيَم:87)، وَقَوْلُهُ {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ} (الزُّخْرُف:86)، فَطَلَبُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُم صَحِيْحٌ إِذًا؛ مُوَافِقٌ لِلأُصُوْلِ!!
وَالجَوَابُ:
1) أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا يَمْلُكُهَا أَحَدٌ إِلَّا اللهُ تَعَالَى كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيْعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ} (الزُّمَر:44)، وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ قَوْلُهُ فِي هَذَا المَقَامِ [1] أَنَّ تَمَلُّكَ المُؤْمِنِيْنَ لِلشَّفَاعَةِ هُوَ بِقَيْدِ أَنْ يَرْضَى اللهُ تَعَالَى عَنِ المَشْفُوْعِ فِيْهِ، لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ المُثْبَتَةَ فِي الشَّرِيْعَةِ لَهَا شَرْطَانِ هُمَا: الإِذْنُ لِلشَّافِعِ وَقَدْ تَحَقَّقَ هُنَا - جَدَلًا -، وَالثَّانِي هُوَ الرِّضَى عَنِ المَشْفُوْعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الشُّفَعَاءِ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:28).
2) أَنَّ إِثْبَاتَ مِلْكِ الشَّفَاعَةِ لِلصَّالِحِيْنَ لَا يَعْنِي طَلَبَهَا مِنْهُم؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شِرْكُ المُشْرِكِيْنَ، حَيْثُ أَنَّ عِيْسَى وَمَرْيَمَ وَالعُزَيْرَ هُمْ مِنْ سَادَاتِ الأَوْلِيَاءِ مِنَ الصَّالِحِيْنَ؛ الَّذِيْنَ هُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِم بِتَمَلُّكِ الشَّفَاعَةِ - عَلَى القَوْلِ بِذَلِكَ - ومع ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ بَيَانُ كَوْنِ مَنْ دَعَاهُم مُشْرِكًا مَذْمُوْمًا شَرْعًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُوْنِهِ فَلَا يَمْلِكُوْنَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيْلًا، أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُوْنَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا} (الإِسْرَاء:57).
قَالَ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [2]: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَهُمْ عِيْسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ وَالمَلَائِكَةُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُوْمُ، (يَبْتَغُوْنَ) أَيْ: يَطْلُبُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ (الوَسِيْلَةَ) أَيِ القُرْبَةَ. وَقِيْلَ: الوَسِيْلَةُ الدَّرَجَةُ العُلْيَا، أَيْ: يَتَضَرَّعُوْنَ إِلَى اللهِ فِي طَلَبِ الدَّرَجَةِ العُلْيَا).
3) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ البَشَرِ لَمْ يَمْلِكْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ دُوْنِ اللهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنَتِهِ فَاطْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (سَلِيْنِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي؛ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا). (3)
4) أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَوْ كَانَتْ مِلْكًا - جَدَلًا - لِلصَّالِحِيْنَ؛ فَالأَحْيَاءُ مِنْهُم يَمْلِكُوْنَ الدُّعَاءَ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُم، وَأَمَّا الأَمْوَاتُ مِنْهُم فَهُم فِي البَرْزَخِ، وَلَا يَدْرُوْنَ عَنِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَهُم شَيْئًا - فَضْلًا عَنِ الاسْتِجَابَةِ لَهُم -، قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ مَا يَمْلِكُوْنَ مِنْ قِطْمِيْرٍ، إِنْ تَدْعُوْهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُوْنَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيْرٍ} (فَاطِر:14).

[1] عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ فِي الآيَتَيْنِ مُتَّصِلٌ - عَلَى أَحَدِ قَوْلَي المُفَسِّرِيْنَ - وَإِلَّا فَإِنَّ الحَافِظَ ابْنَ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ فِي الآيَةِ مُنْقَطِعٌ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (243/ 7): ({وَلَا يَمْلِكُ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ} أَيْ: مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ (الشَّفَاعَةَ) أَيْ: لَا يَقْدِرُوْنَ عَلَى الشَّفَاعَة لَهُمْ {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ} هَذَا اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ: لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ عَلَى بَصِيْرَةٍ وَعِلْمٍ؛ فَإِنَّهُ تَنْفَعُ شَفَاعَتُهُ عِنْدَهُ بِإِذْنِهِ لَهُ).
قُلْتُ: وَمَعْنَى الانْقِطَاعِ فِي الاسْتِثْنَاءِ أَنَّ المُسْتَثْنَى لَيْسَ جُزْءًا مِنَ المُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَمَّا المُتَّصِلُ فَمَفَادُهُ هُنَا أَنَّ الَّذِيْنَ يُدْعَوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ إِنْ كَانُوا مُوَحِّدِيْنَ؛ فَإِنَّهُم يَمْلِكُوْنَ الشَّفَاعَةَ لِغَيْرِهِم بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى لَهُم، وَفِيْمَنْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
[2] تَفْسِيْرُ البَغَوِيِّ (101/ 5).
(3) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4771)، وَمُسْلِمٌ (206) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 574
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست