responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 568
- الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُ صَاحِبِ البُرْدَةِ (فَإِنَّ مِنْ جُوْدِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا) لَيْسَ فِيْهِ مَحْذُوْرٌ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَى نَبِيَّهُ فِعْلًا مَزِيَّةِ إِنْقَاذِ النَّاسِ مِنَ النَّارِ، كَمَا فِي حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ؛ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ (أَخْرِجْ مَنْ فِي قَلْبِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ إِيْمَانٍ)؟!
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ اللهَ تَعَالَى لم يُمَلِّكِ الشَّفَاعَةَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُوْنِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُوْنَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُوْنَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيْعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ} (الزُّمَر:44) [1]، وَفِي الحَدِيْثِ (مَا أُعْطِيْكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ؛ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ). (2)
وَكَوْنُهُ تَعَالَى أَعْطَاهَا إِيَّاهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إِكْرَامِهِ وَإِظْهَارِ شَرَفِهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ تَمَلُّكِهَا اسْتِقْلَالًا؛ لِذَلِكَ لَمْ تَنْفَعْ شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّهِ كَمَا فِي الحَدِيْثِ (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي) ([3]
كَمَا لَمْ تَنْفَعْ أَيْضًا شَفَاعَةُ إِبْرَاهِيْمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيْهِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (فَيَقُوْلُ إِبْرَاهِيْمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِيَ يَوْمَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِيْنَ) ([4]
كَمَا لَمْ تَنْفَعْ أَيْضًا شَفَاعَةُ نُوْحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي ابْنِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَادَى نُوْحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِيْنَ، قَالَ يَا نُوْحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} (هُوْد:46).
وَبِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ طَلَبُهَا مِنَ العَبْدِ، بل تُطْلَبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يُشفِّعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهِ، كَمَا فِي حَدِيْثِ دُعَاءِ الضَّرِيْرِ [5]: (اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ). (6)

[1] وَتَأَمَّلْ كَوْنَ المَلَائِكَةِ وَعُزَيْرًا وَعِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ كَيْفَ أَنَّهُم آلِهَةٌ عِنْدَ المُشْرِكِيْنَ؛ وَقَدْ نَفَى اللهُ مُلْكَهُم لِلشَّفَاعَةِ وَدُعَاءَهُم بِقَصْدِهَا، مَعَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالمَلَائِكَةَ لَهُم شَفَاعَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ المَلَائِكَةِ: {وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ} (الأَنْبِيَاء: 28).
(2) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3117) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا.
[3] وَالحَدِيْثُ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: (زَارَ رَسُوْلُ اللهِ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، وَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُ فِي أَنْ أَزُوْرَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُوْرُوا القُبُوْرَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ المَوْتَ)).
[4] وَالحَدِيْثُ فِي البُخَارِيِّ (3350) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوْعًا (يَلْقَى إِبْرَاهِيْمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ - وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ - فَيَقُوْلُ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُوْلُ أَبُوْهُ: فَاليَوْمَ لَا أَعْصِيْكَ. فَيَقُوْلُ إِبْرَاهِيْمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِيَ يَوْمَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِيْنَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيْمُ؛ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيْخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ).
وَ (الذِّيْخُ): ذَكَرُ الضَّبْعِ الكَثِيْرُ الشَّعْرِ؛ حَيْثُ أُرِيَ إِبْرَاهِيْمُ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ لِيَسْرُعْ إِلَى التَّبَرُّءِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ (مُلْتَطِخٌ): أَيْ: مُتَلَوّثٌ بِالدَّمِ وَنَحْوِهِ.
[5] صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (3578)، وَأَحْمَدُ (17241) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيفٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (1279).
وَتَمَامُهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ؛ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيْرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَني. قَالَ: (إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ، فَهوَ خَيْرٌ)، وَفِي رِوَايَةٍ (وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهوَ خَيْرٌ لَكَ)، فَقَالَ: ادْعُهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوْءَهُ؛ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْن، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيْهِ)، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ).
(6) وَهَذَا الإِتْيَانُ مِنَ الضَّرِيْرِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْرُوْنٌ بِحَيَاتِهِ فَقَط، أَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَلَا يَجُوْزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دُعَاءِ الأَمْوَاتِ، وَهوَ شِرْكٌ بِاللهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَخْلُقُوْنَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُوْنَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ} (النَّحْل:21).
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُوْنِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيْبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُوْنَ} (الأَحْقَاف:5).
وَأَمَّا يَوْمُ القِيَامَةِ فَيَطْلُبُ النَّاسُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لَهُم عِنْدَ رَبِّهِم لِأَنَّهُ حَيٌّ حَاضِرٌ قَادِرٌ، وَلَكِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَشْفَعُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ إِلَّا فِيْمَنْ أَذِنَ اللهُ لَهُم حَيْثُ يُجْعَلُ لَهُ حَدٌّ في كُلِّ مَرَّةٍ فَيُدْخِلُهُم الجَنَّةَ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 568
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست