responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 526
الشَّرْحُ
- الإِقْسَامُ عَلَى اللهِ: هُوَ الحَلَفِ عَلَى اللهِ، وَيَتَأَلَّى أَيْ: يَحْلِفُ [1]، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {لِلَّذِيْنَ يُؤْلُوْنَ مِن نِّسَائِهِم تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ} (البَقَرَة:226). (2)
- مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ لِكِتَابِ التَّوْحِيْدِ: أَنَّ مَنْ تَأَلَّى عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَقَدْ أَسَاءَ الأَدَبَ مَعَهُ وَتَجَرَّأَ عَلَيْهِ وَزَعَمَ التَّحَكُّمَ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى، فَالتَّأَلِّي عَلَى العَظِيْمٌ تَنَقُّصٌ لِعَظَمَتِهِ.
وَيَزْدَادُ الأَمْرُ سُوْءًا إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مُخَالَفَةُ مَا عُلِمَ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ، وَفِي الحَدِيْثِ هُنَا جَاءَ التَّأَلِّي عَلَى اللهِ مُضَافًا إِلَيْهِ حَجَّرُ فَضْلِهِ تَعَالَى، وَتَقْنِيْطُ عِبَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
- القَسَمُ عَلَى اللهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: (3)
1) أَنْ يُقْسِمَ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُوْلُهُ مِنْ نَفْي أَوْ إِثْبَاتٍ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى يِقَيْنِهِ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُوْلُهُ، كَقَوْلِ القَائِلِ: (وَاللهِ؛ لَيُشَفِّعَنَّ اللهُ نَبِيَّهُ فِي الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ)، وَكَقَوْلِ (وَاللهِ؛ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ). (4)
2) أَنْ يُقْسِمَ عَلَى رَبِّهِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ). [5] (6)
3) أَنْ يَكُوْنَ الحَامِلَ لَهُ هُوَ الإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ، وَحَجْرُ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُوْءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى، فَهَذَا مُحَرَّمٌ وَهُوَ وَشِيْكٌ بِأَنْ يُحْبِطَ اللهُ عَمَلَ هَذَا المُقْسِمِ.
وَهَذَا النَّوْعُ الأَخِيْرُ هُوَ الَّذِيْ سَاقَ المُؤَلِّفُ الحَدَيْثَ مِنْ أَجْلِهِ. [7] (8)

[1] قَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ (ص1260): (آلَى وَائْتَلَى وَتَأَلَّى: أَقْسَمَ).
(2) قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (ص101): (وَهَذَا مِنَ الأَيْمَانِ الخَاصَّةِ بِالزَّوْجَةِ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ، وَهُوَ حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى تِرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ).
وَفِي الآيَةِ تَعْدِيَةُ الإِيْلَاءِ بِـ (مِنْ) لِتَضَمُّنِ مَعْنَى البُعْدِ، فَصَارَ بِمَعْنَى يُبْعِدُوْنَ مِنْ نِسَائِهِم مُؤْلِيْنَ أَوْ مُقْسِمِيْنَ.
(3) (القَوْلُ المُفِيْدُ) (497/ 2) لِلشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
(4) قُلْتُ: وَمِصْدَاقُهُ فِي عِلَّةِ النَّهْي فِي حَدِيْثِ البَابِ (أَكُنْتَ بِي عَالِمًا)!!
[5] وَتَمَامُ الحَدِيْثِ كَمَا فِي البُخَارِيِّ (2703)، وَمُسْلِمٍ (1635) عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ (أَنَّ الرُّبَيِّعَ - وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا العَفْوَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟! لَا وَالَّذِيْ بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ: (يَا أَنَسُ؛ كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ)، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)). وَالأَرْشُ: هُوَ دِيَّةُ الجِرَاحَةِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (543/ 11): (وَقَوْلُهُ (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ) أَيْ: لَوْ حَلَفَ يَمِيْنًا عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَقَعَ - طَمَعًا فِي كَرَمِ اللهِ بِإِبْرَارِهِ - لَأَبَرَّهُ وَأَوْقَعَهُ لِأَجْلِهِ).
(6) وَالحَدِيْثُ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ رَجَاءِ المُقْسِمِ بِاللهِ تَعَالَى، وَعَلَى حُسْنِ ظَنَّهِ بِرَبِّهِ؛ أَنَّهُ تَعَالَى سَيُنْجِزُ لَهُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا اشْتُهِرَ عَنِ بَعْضِ المُتَصَوِّفَةِ مِنْ قَوْلِهِم عَنِ الأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِيْنَ (إِنَّ للهِ عِبَادًا؛ إِذَا أَرَادُوا أَرَادَ) فَهَذَا فِيْهِ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللهِ تَعَالَى - إِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا - وَذَلِكَ لِجَعْلِ إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى تَابِعَةً وَمَحْكُوْمَةً لِإِرَادَةِ المَخْلُوْقِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُوْنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمًا حَكِيْمًا} (الإِنْسَان:30).
[7] وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (2023/ 4): (بَابُ النَّهْي عَنْ تَقْنِيْطِ الإِنْسَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ).
(8) فَائِدَةٌ: قَوْلُ الرَّجُلِ (مَا أَظُنُّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَدَعُ فُلَانًا مِنَ العُقُوْبَةِ) هَذَا القَوْلُ لَا يَجُوْزُ، وَيُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُوْنَ مِنَ المُتَأَلِّيْنَ عَلَى اللهِ تَعَالَى.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 526
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست