responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 477
- المَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ) أَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانوا عَامِلِيْنَ بِه) [1]، وَقَوْلِهِ أَيْضًا (إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ - حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ - فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا) [2] دِلَالَةٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِالقَدَرِ عَلَى الأَعْمَالِ؟!
الجَوَابُ: لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ:
1) مَقْصُوْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيْثِ الأَوَّلِ هُوَ أَنْ لَا تَحْكُمُوا عَلَيْهِم بِالنَّارِ بِسَبَبِ كُفْرِ آبَائِهِم، إِذْ لَمْ يَبْلُغُوا فَيَكْفُرُوا، وَلَا تَحْكُمُوا عَلَيْهِم بِمِيْثَاقِ الفِطْرَةِ الَّتِيْ وُلِدُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُم لَمْ يَبْلُغُوا فَيُؤْمِنُوا. (3)
وَأَمَّا حَدِيْثُ (وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُوْنَ - مِنَ المُشْرِكِيْنَ - فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: (هُمْ مِنْهُمْ)) [4] فَالمَقْصُودٌ بِهِ أَنَّهُم فِي الدُّنْيَا يُعَامَلُوْنَ مُعَامَلَةَ آبَائِهِم الكُفَّارِ.
2) قَوْلَهُ فِي الحَدِيْثِ الثَّانِي (فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ): لَا يَعني أنَّهُ أُجْبِرَ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَحَوُّلِ عَمَلِ الرَّجُلِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ عِلْمَ اللهَ تَعَالَى سَابِقٌ لِعَمَلِ الرَّجُلِ. كَمَا فِي الحَدِيْثِ ((لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَإِنَّ العَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ - لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ - ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا. وَإِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ البُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّءٍ - لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ - ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا. وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ). قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: (يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)). (5)

[1] وَالحَدِيْثُ هُوَ (سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ المُشْرِكِيْنَ؛ فَقَالَ: (اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ)). البُخَارِيُّ (6597)، وَمُسْلِمٌ (2659) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا.
وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضًا البُخَارِيُّ (6599) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا ((مَا مِنْ مَوْلُوْدٍ إِلَّا يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْتِجُوْنَ البَهِيْمَةَ؛ هَلْ تَجِدُوْنَ فِيْهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ حَتَّى تَكُوْنُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا!) قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوْتُ - وَهُوَ صَغِيْرٌ - قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ)).
[2] وَالحَدِيْثُ بِتَمَامِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا ((إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيْهِ الرُّوْحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيْدٍ؛ فَوَ اللهِ الَّذِيْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ - حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ - فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ - حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ - فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3332)، وَمُسْلِمٌ (2643).
(3) أَفَادَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ كَمَا فِي (كَشْفُ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ) (366/ 2) لِابْنِ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: وَيَزِيْدُهُ تَأْكِيْدًا حَدِيْثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُؤْتَى بِأَرْبَعَةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ: بِالمَوْلُوْدِ، وَبِالمَعْتُوْهِ، وَبِمَنْ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ، وَالشَّيْخِ الفَانِي، كُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ، فَيَقُوْلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ: ابْرُزْ. فَيَقُوْلُ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي رَسُوْلُ نَفْسِي إِلَيْكُمْ، ادْخُلُوا هَذِهِ، فَيَقُوْلُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ: يَا رَبِّ، أَيْنَ نَدْخُلُهَا، وَمِنْهَا كُنَّا نَفِرُّ؟ قَالَ: وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ يَمْضِي، فَيَتَقَحَّمُ فِيْهَا مُسْرِعًا، قَالَ: فَيَقُوْلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدُّ تَكْذِيْبًا وَمَعْصِيَةً، فَيُدْخِلُ هَؤُلَاءِ الجَنَّةَ، وَهَؤُلَاءِ النَّارَ). صَحِيْحٌ. مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى (4224). الصَّحِيْحَةُ (2468).
[4] البُخَارِيُّ (3013)، وَمُسْلِمٌ (1745) عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ مَرْفُوْعًا.
(5) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (12214) عَنْ أَنَس مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (1334).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 477
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست