responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 412
[3]) التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِدُعَاءِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ: كَأَنْ يَكُوْنَ المُسْلِمُ فِي ضِيْقٍ شَدِيْدٍ، أَوْ تَحِلَّ بِهِ مُصِيْبَةٌ كَبِيْرَةٌ - وَيَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ التَّفْرِيْطَ فِي جَنْبِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى -؛ فَيَأْخُذَ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ إِلَى اللهِ، فَيَذْهَبَ إِلَى رَجُلٍ يَعْتَقِدُ فِيْهِ الصَّلَاحَ وَالتَّقْوَى أَوِ الفَضْلَ وَالعِلْمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَيَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ رَبَّهُ، لِيُفَرِّجَ عَنْهُ كَرْبَهُ، وَيُزِيْلَ عَنْهُ هَمَّهُ.
وَقَد وَرَدَتْ أَمْثِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ، كَمَا وَقَعَتْ نَمَاذِجُ مِنْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: (أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ؛ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ - وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً - فَوَ الَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ وَالَّذِيْ يَلِيْهِ حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ قَالَ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) فَمَا يُشِيْرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ المَدِيْنَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ، وَسَالَ الوَادِي - قَنَاةُ - شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالجَوْدِ). (1)
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ). (2)
وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ (إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَ (إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا)؛ أَنَّنَا كُنَّا نَقْصِدُ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا؛ وَنَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِدُعَائِهِ، وَالآنَ - وَقَد انْتَقَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّفِيْقِ الأَعْلَى، وَلَم يَعُدْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا - فَإِنَّنَا نَتَوَجَّهُ إِلَى عَمِّ نَبِيِّنَا العَبَّاسِ؛ وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ فِي دُعَائِهِم: (اللَّهُمَّ بِجَاهِ نَبِيِّكَ اسْقِنَا)، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَقُوْلُوْنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ بِجَاهِ العَبَّاسِ اسْقِنَا)!! لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا دُعَاءٌ مُبْتَدَعٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَم يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم. (3)

(1) البُخَارِيُّ (933)، وَمُسْلِمٌ (897).
وَ (القَزَعَةُ): قِطْعَةٌ مِنَ السَّحَابِ الصِّغَارِ المُتَفَرِّقِ.
وَ (الجَوْبَةُ): المَوْضِعُ المُنْخَفِضُ مِنَ الأَرْضِ.
وَ (قَنَاةُ): اسْمُ وَادٍ فِي المَدِيْنَةِ.
(2) صَحِيْح البُخَارِيِّ (1010).
[3] وَمِنْ ذَلِكَ أَيضًا مَا رَوَاهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَارِيْخِهِ (112/ 65) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنِ التَّابِعِيِّ الجَلِيْلِ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ الخَبَائِرِيِّ؛ أَنَّ السَّمَاءَ قَحِطَتْ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - وَأَهْلُ دِمَشْقَ يَسْتَسْقُوْنَ - فَلَمَّا قَعَدَ مُعَاوِيَةُ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَ: أَينَ يَزِيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ الجُرَشيُّ؟ فَنَادَاهُ النَّاسُ، فَأَقْبَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَأَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ؛ فَصَعِدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَعَدَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ اليَوْمَ بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ اليَوْمَ بِيَزيْدِ بْنِ الأَسْوَدِ الجُرَشِيِّ، يَا يَزِيْدُ ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى اللهِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُم، فَمَا كَانَ أَوْشَكَ أَنْ ثَارَتْ سَحَابَةٌ فِي الغَرْبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ، وَهَبَّتْ لَهَا رِيْحٌ، فَسَقَتْنَا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُم).
فَهَذَا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا لَا يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ - وَإِنَّمَا يَتَوَسَّلُ بِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ - يَزِيْدَ بْنِ الأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -؛ فَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى لِيَسْقِيَهُم وَيُغِيْثَهُم.
وَحَدَثَ مِثْلُ هَذَا فِي وِلَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَيْضًا حَيْثُ اسْتَسْقَى بِيَزِيْدَ هَذَا أَيْضًا.
وَيَزِيْدُ هَذَا هُوَ مِنْ سَادَةِ التَّابِعِيْنَ بِالشَّامِ، يَسْكُنُ بِالغُوْطَةِ، بِقَرْيَةِ زِبْدِيْنَ، أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: (بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي العِشَاءَ الآخِرَةَ بِمَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَيَخْرُجُ إِلَى زِبْدِيْنَ، فَتُضِيْءُ إِبْهَامُهُ اليُمْنَى، فَلَا يَزَالُ يَمْشِي فِي ضَوْئِهَا إِلَى القَرْيَةِ). تَارِيْخُ دِمَشْقَ (107/ 65).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 412
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست