responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 403
الشَّرْحُ
- هَذَا البَابُ فِيْهِ بَيَانُ الأَدَبِ الأَكْمَلِ فِي سُؤَالِ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهوَ دَلِيْلُ العِلْمِ بِهِ وَبِتَعْظِيْمِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ سُبْحَانَهُ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى {الحُسْنَى}: مُؤَنَّثُ أَحْسَن، وَهيَ اسْمُ تَفْضِيْلٍ، وَمَعنى الحُسْنَى، أَي البَالِغَةُ فِي الحُسْنِ أَكْمَلَهُ، وَاللَّامُ هُنَا لِلاسْتِحْقَاقِ.
وَالحُسْنُ فِي الأَسْمَاءِ يَكُوْنُ رَاجِعًا إِلَى أَنَّ الصِفَةَ الَّتِيْ اشْتَمَلَ عَلَيهَا ذَلِكَ الاسْمُ تَكُوْنُ حَقًّا؛ مَوْجُوْدَةً فيمَنْ تَسَمَّى بِهَا، وَالإِنْسَانُ - وَإِنْ تَسَمَّى بِاسمٍ فِيْهِ مَعنَىً - فَقَد لَا يَكُوْنُ فِيْهِ مِنْ ذَلِكَ المَعْنَى شَيْءٌ، فَيُسَمَّى صَالِحًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ صَالِحًا -، وَيُسَمَّى خَالِدًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ خَالِدًا -، وَيُسَمَّى مُحَمَّدًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ كَثيرَ خِصَالِ الحَمْدِ - وَهَكَذَا، فَإِنَّ الإِنْسَانَ قَد يُسَمَّى بِأَسْمَاءٍ كَثِيْرَةٍ؛ لَكِنْ لَا تَكُوْنُ فِي حَقِّهِ حُسْنَى. (1)
- قَوْلُهُ تَعَالَى {فَادْعُوْهُ بِهَا}: اعْلَمْ أَنَّ دُعَاءَ اللهِ بِأَسْمَائِهِ لَهُ مَعْنَيَانِ:
1) دُعَاءُ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمَا تَقْتَضِيْهِ تِلْكَ الأَسْمَاءُ، فَمَثَلًا اسْمُ الرَّحِيْمِ يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ، وَحِيْنَئِذٍ تَتَطَلَّعُ إِلَى أسَبْابِ الرَّحْمَةِ وَتَفْعَلُهَا.
وَالسَّمِيْعُ: يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمُقْتَضَى السَّمْعِ، بِحَيْثُ لَا تُسْمِعُ اللهَ قَوْلًا يُغْضِبُهُ وَلَا يَرْضَاهُ مِنْكَ.
وَالبَصِيْرُ: يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ البَصَرِ، بِحَيْثُ لَا يَرَى مِنْكَ فِعْلًا يَكْرَهُهُ مِنْكَ. (2)
2) دُعَاءُ المَسْأَلَةِ، وَهوَ أَنْ تُقَدِّمَ هَذِهِ الأَسْمَاءَ بَيْنَ يَدِي سُؤَالِكَ مُتَوَسِّلًا بِهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى.
مَثَلًا: يَا حَيُّ؛ يَا قَيُّومُ؛ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: (قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيْرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ). (3)
وَالإِنْسَانُ إِذَا دَعَا وَعَلَّلَ، فَقَد أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ بِهَذَا الاسْمِ طَالِبًا أَنْ يَكُوْنَ سَبَبًا لِلإِجَابَةِ، وَالتَّوَسُّلُ بِصِفَةِ المَدْعُوِّ المَحْبُوْبَةِ لَهُ هُوَ سَبَبٌ لِلإِجَابَةِ، فَالثَّنَاءُ عَلَى اللهِ بِأَسْمَائِهِ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الإِجَابَةِ. وَالآيَةُ هُنَا تَحْتَمِلُ المَعنَيِيْن.

(1) وَأَهْلُ العِلْمِ إِذَا فَسَّرُوا الأَسْمَاءَ الحُسْنَى فَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِيْبٌ؛ لَيَدُلُّوا النَّاسَ عَلَى أَصْلِ المَعْنَى، أَمَّا المَعْنَى بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ؛ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ). مُسْلِمٌ (486) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا.
(2) قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (القُوْلُ السَّديدُ) (ص161):
(فَمَثَلًا أَسْمَاءُ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالمَجْدِ وَالجَلَالِ وَالهَيْبَةِ تَمْلَأُ القُلُوْبَ تَعْظِيْمًا للهِ وَإِجْلَالًا لَهُ.
وَأَسْمَاءُ الجَمَالِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالجُوْدِ تَمْلَأُ القَلْبَ مَحَبَّةً للهِ وَشَوْقًا لَهُ وَحَمْدًا لَهُ وَشُكْرًا.
وَأَسْمَاءُ العِزِّ وَالحِكْمَةِ وَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ تَمْلَأُ القَلْبَ خُضُوْعًا للهِ وَخُشُوْعًا وَانْكِسَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَأَسْمَاءُ العِلْمِ وَالخِبْرَةِ وَالإِحَاطَةِ وَالمُرَاقَبَةِ وَالمُشَاهَدَةِ تَمْلَأُ القَلْبَ مُرَاقَبَةً للهِ فِي الحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَحِرَاسَةً لِلخَوَاطِرِ عَنِ الأَفْكَارِ الرَّدِيَّةِ وَالإِرَادَاتِ الفَاسِدَةِ.
وَأَسْمَاءُ الغِنَى وَاللُّطْفِ تَمْلَأُ القَلْبَ افْتِقَارًا وَاضْطِرَارًا إِلَيهِ، وَالتِفَاتًا إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ؛ فِي كُلِّ حَالٍ).
(3) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (834)، وَمُسْلِمٌ (2705).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 403
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست