responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 334
- قَوْلُ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ): أَيْ: بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفُوْهُ وَتَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم حَتَّى لَا يُفْتَنُوا بِهِ، كَمَا فِي الأَثَرِ الآخَرِ (مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيْثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِم فِتْنَةً) [1]، وَقَدْ بَوَّبَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحِ عَلَى أَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ العِلْمِ بِقَوْلِهِ (بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُوْنَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَلَّا يَفْهَمُوا). (2)
وَلِهَذَا كَانَ مِنَ الحِكْمَةِ فِي الدَّعْوَةِ أَلَّا تُبَاغِتَ النَّاسَ بِمَا لَا يُمْكِنُهم إِدْرَاكُهُ، بل تَدْعُوْهُم رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى تَسْتَقِرَ عُقُوْلُهُم. (3)
وَفِي الأَثَرِ دَلِيْلٌ عَلَى مَنْعِ تَحَدِيْثِ النَّاسِ بَمَا لَا تُدْرِكُهُ عُقُوْلُهُم، وَمِنْ ذَلِكَ التَّفَاصِيْلُ وَالتَّوَسُّعُ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِنْكَارِهَا - وَهُوَ كُفْرٌ بِهَا - وَذَلِكَ يُنَافِي تَوْحِيْدَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَدَلَّ الأَثَرُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ بَعْضَ العِلْمِ لَا يَصْلُحُ لِكُلِّ أَحَدٍ.
- قَوْلُهُ (بِمَا يَعْرِفُوْنَ): لَيْسَ مَعْنَاهُ بِمَا يَعْرِفُوْنَهُ مِنْ قَبْلُ - لِأَنَّ الَّذِيْ يَعْرِفُوْنَهُ مِنْ قَبْلُ يَكُوْنُ التَّحَدِيْثُ بِهِ مِنْ تَحْصِيْلِ الحَاصِلِ - وَإِنَّمَا المَقْصُوْدُ بِمَا يُدْرِكُوْنَ بِعُقُوْلِهِم، لِأَنَّ السَّامِعَ لِمَا لَمْ يَفْهَمْهُ يَعْتَقدُ اسْتِحَالَتَه - جَهْلًا - فَلَا يَعْرِفُ وُجُوْدَهُ، فَيَلْزَمُ التَّكْذِيْبَ.
- وَجْهُ التَّكْذِيْبِ فِي أَثَرِ عَلِيٍّ هُوَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: قَالَ اللهُ وَقَالَ رَسُوْلُهُ: كَذَا وَكَذَا، قَالُوا هَذَا كَذِبٌ - إِذَا كَانَتْ عُقُوْلُهُم لَا تَبْلُغُهُ - فَهُمْ لَا يُكَذِّبُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، لَكِنْ يُكَذِّبُوْنَكَ بِحَديْثٍ تَنْسِبُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَيَكُوْنُوْنَ مُكَذِّبِيْنَ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ - لَا مُبَاشَرَةً لَكِنْ بِوَاسِطَةِ النَّاقِلِ -.

[1] مُسْلِمٌ (11/ 1) عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَوْقُوْفًا، بَابُ النَّهْي عَنِ الحَدِيْثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
(2) وَالحَدِيْثُ صَحِيْحٌ مَوْقُوْفًا، وَلَا يَصِحُّ مَرْفُوْعًا، وَفِي كَشْفِ الخَفَاءِ لِلعَجْلُوْنِيِّ رَحِمَهُ اللهُ (405/ 1): (خَرَّجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ، وَهُوَ مَوْضُوْعٌ) أَي المَرْفُوْعُ.
(3) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (193/ 2): (وَمِثْلُ ذَلِكَ؛ العَمَلُ بِالسُّنَّةِ الَّتِيْ لَا يَعْتَادُهَا النَّاسُ وَيَسْتَنْكِرُونَهَا، فَإِنَّنَا نَعْمَلُ بِهَا لَكِنْ بَعْدَ أَنْ نُخْبِرَهُم بِهَا؛ حَتَّى تَقْبَلَهَا نُفُوْسُهُم وَيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهَا. وُيْسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الأَثَرِ أَهَمِّيَّةُ الحِكْمَةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ يَجْبُ عَلَى الدَّاعِيَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عُقُوْلِ المَدْعُوِّيْنَ وَيُنْزِلَ كُلَّ إِنْسَانٍ مَنْزِلَتَهُ).
قُلْتُ: وَمِنْ نَفْسِ البَابِ أَوْرَدَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ حَدِيْثَ البُخَارِيِّ (6502) فِي أَرْبَعِيْنِيَّتِهِ وَهُوَ (إنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبْ وَمَا تقرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِيْ يَبْطِشُ بِهَا وَرجْلَهُ الَّتِيْ يَمْشِي بِهَا وإنْ سَأَلَنِيْ لَأُعْطِيَنَّهُ وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيْذَنَّهُ)) وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَمَامِهِ! وَتَمَامُهُ (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرْهُ مَسَاءَتَهُ)، فَلَعَلَّ اخْتِصَارَهُ لَهُ هُوَ مِنْ هَذَا البَابِ - أَيْ مُرَاعَاةً لِحَالِ السَّامِعِيْنَ - وَذَلِكَ لِكَوْنِ هَذِهِ الأَرْبَعِيْنَ هِيَ مِنَ المُتُوْنِ المُعَدَّةِ لِلمُبْتَدِئِيْنَ فِي طَلَبِ العِلْمِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 334
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست