responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 291
- قَوْلُهُ (وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللهِ): هَذَا الذَّمُّ لَا يَعْنِي تَرْكَ شُكْرِ النَّاسِ عَلَى مَا أَسْدَوْهُ مِنْ مَعْرُوْفٍ، وَذَلِكَ لِحَدِيْثِ (لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) [1]، وَإِنَّمَا المَعْنَى النَّهْيُ عَنِ التَّعَلُّقِ بِهِم فِي ذَلِكَ، وَالغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى الَّذِيْ هُوَ مُسَبِّبُ تِلْكَ النِّعْمَةِ حَقِيْقَةً.
- فِي حَدِيْثِ أَبِي سَعِيْدٍ إِثْبَاتُ صِفَتَيِّ الرِّضَى وَالسَّخَطِ للهِ تَعَالَى - خِلَافًا لِلمُعَطِّلَةِ - وَذَلِكَ لِزَعْمِهِم أَنَّ الغَضَبَ هُوَ غَلَيَانُ دَمِ القَلْبِ لِطَلَبِ الانْتِقَامِ؛ وَأَنَّ هَذَا لَا يَلِيْقُ بِاللهِ تَعَالَى! وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهم شَبَّهُوا - فِي أَذْهَانِهِم -سَخَطَ اللهِ أَوْ غَضَبَهُ بِغَضَبِ المَخْلُوْقِ؛ وَاللهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَكَذَلِكَ غَضَبُهُ يَلِيْقُ بِهِ.
وَالعَجَبُ مِنَ المُعَطِّلَةِ أَنَّهُم أَثْبَتوا بَعْضَ الصِّفَاتِ كَالإِرَادَةِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ - وَلَمْ يَجْعَلُوْهَا دَالَّةً عَلَى التَّمْثِيْلِ بِالمَخْلُوْقِ! - مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا يُقَالُ لَهُم: الإِرَادَةُ - وَهِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى جَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ- إِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَلِيْقُ بِهِ ذَلِكَ!! - مُجَارَاةً لَهُم عَلَى قَاعِدَتِهِم -، فَإِذَا قَالُوا: هَذِهِ إِرَادَةُ المَخْلُوْقِ! نَقُوْلُ: وَالغَضَبُ الَّذِيْ ذَكَرْتُمُوْهُ هُوَ غَضَبُ المَخْلُوْقِ أَيْضًا.
وَلَا بُدَّ مِنَ العِلْمِ أَنَّ هَذِهِ التَّأْوِيْلَاتِ جِنَايَةٌ عَلَى الشَّرِيْعَةِ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ ظَوَاهِرَ نُصُوْصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِغَيْرِ هُدَىً مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هِيَ تَتَضَمَّنُ طَعْنًا فِي الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، لِأَنَّنَا نَقُوْلُ: هَذِهِ المَعَانِي الَّتِيْ صَرَفْتُم النُّصُوْصُ إِلَيْهَا؛ هَلِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُوْنَ يَعْلَمُوْنَهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يَعْلَمُوْنَ، فَقَدْ اتَّهَمُوْهُم بِالقُصُوْرِ فِي الفَهْمِ، وَإِنْ قَالُوا: يَعْلَمُوْنَهَا وَلَمْ يُبَيِّنُوْهَا لَنَا؛ فَقَدِ اتَّهَمُوْهُم بِالتَّقْصِيْرِ فِي التَّأْدِيَةِ، وَكِلَاهُمَا شَنِيْعٌ. (2)
- قَوْلُهُ تَعَالَى {فَعَسَى}: (عَسَى) لُغَةً حَرْفُ تَرَجٍّ، وَلَكِنَّهَا مِنَ اللهِ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاللهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَلِهَذَا يَقُوْلُ العُلَمَاءُ: كُلُّ (عَسَى) مِنَ اللهِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، كَمَا فِي الأَثَرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (3)
- قَوْلُهُ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ آمَنَّا بِاللَّهِ}: هُوَ قَوْلٌ مُجَرَّدٌ لَيْسَ لَهُ حَقِيْقَةٌ فِي قَلْبِهِ، {فَإِذَا أُوْذِيَ فِي اللهِ} أَيْ: إِذَا جَاءَ الامْتِحَانُ - وَكُلُّ المُؤْمِنِيْنَ يُمْتَحَنُوْنَ وَلَا يُتْرَكُوْنَ عَلَى قَوْلِ {آمَنَّا بِاللَّهِ} فَقَطْ - ظَهَرَ الصَّادقُ فِي إِيْمَانِهِ مِنَ الكَاذِبِ، قَالَ تَعَالَى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُوْلُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُوْنَ} (العَنْكَبُوْت:[2]) يَعْنِي: يُخْتَبَرُوْنَ وَيُمْتَحَنُوْنَ، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِيْنَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِيْنَ}، فَإِذَا قَالَ: (آمَنْتُ بِاللهِ) فَإِنَّه يُمْتَحَنُ بِأَنْ يُصَابَ بِالأَذَى مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِيْنَ وَالفُسَّاقِ، فَإِنْ صَبَرَ وَثَبَتَ عَلَى إِيْمَانِهِ وَتَحَمُّلِ الأَذَى فِي سَبِيْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَهَذَا دَلِيْلٌ عَلَى صِدْقِ إِيْمَانِهِ، أمَّا إِنِ انْحَرَفَ وَذَهَبَ مَعَ الفِتْنَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى نِفَاقِهِ.
وَهُوَ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ} - يَعْنِي عَلَى طَرَفٍ - {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِيْنُ} (الحَجّ:11).

[1] صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (218) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (416).
[2] اُنْظُرْ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (82/ 2).
وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ (مَا جَاءَ فِي أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُوْرِ الصَّالِحِيْنَ يُصَيِّرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ) ذِكْرُ مَسْأَلَةٍ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الغَضَبِ للهِ تَعَالَى.
(3) تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (168/ 14) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُوْنُوا مِنَ المُهْتَدِيْنَ} (التَّوْبَة:18).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 291
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست