responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 259
- المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إِذَا كَانَتِ الطِّيَرَةُ مَنْفِيَّةً، فَمَا الجَوَابُ عَنْ حَدِيْثِ (الشُّؤْمُ فِي المَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالفَرَسِ)؟ (1)
الجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ الحَدِيْثِ: فَالصَّوَابُ هُوَ (إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ)، وَأَمَّا الحَدِيْثُ مَوْضُوْعُ السُّؤَالِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِمَا يَلِي:
أ) مُخَالَفَتُهُ لِأَحَادِيْثِ البَابِ الصَّرِيْحَةِ بِكَوْنِ الطِّيَرَةِ شِرْكٌ.
ب) أَنَّ الحَدِيْثَ التَّالِي لَهُ فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ هُوَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَر وَلَكِنَّهُ بِلَفْظِ (إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ؛ فَفِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ). (2)
ج) دَعْوَى أَنَّ الشُّؤمَ هُوَ فِي المَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالمَسْكَنِ هُوَ عَقِيْدَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (دَخَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَاهَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (الطِّيَرَةُ فِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ). فَغَضِبَتْ، وَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ، وَشِقَّةٌ فِي الأَرْضِ [3]، وَقَالَتْ: وَالَّذِيْ أَنْزَلَ الفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ؛ مَا قَالَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، إِنَّمَا قَالَ: (كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُوْنَ مِنْ ذَلِكَ)). (4)
د) أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُعَارِضُهُ وَهُوَ (لَا شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُوْنُ اليُمْنُ فِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ). (5)
2) مِنْ جِهَةِ فِقْهِ الحَدِيْثِ - عَلَى فَرْضِ ثُبُوْتِهِ -: أَنَّ الشَّؤْمَ هُنَا لَيْسَ بمَعْنَى الطِّيَرَةِ الشِّركيَّةِ، وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى السَّبَبِ القَدَريِّ فِي حُصُوْلِ الخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، وَهَذَا صَحِيْحٌ لَا رَيْبَ فِيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ المَرْءِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَدْ يَسْعَدُ وَقَدْ يَسُوْءُ. (6)
وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِالحَدِيْثِ الآتِي: (ثَلَاثَةٌ مِنَ السَّعَادَةِ؛ وَثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ. فَمِنَ السَّعَادَةِ المَرْأةُ الصَّالِحَةُ تَرَاهَا فَتُعْجِبُكَ، وَتَغِيْبُ عَنْهَا فَتَأْمَنُها عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُوْنُ وَطِيْئَةً؛ فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحَابِكَ، وَالدَّارُ تَكُوْنُ وَاسِعَةً كَثِيْرْةَ المَرَافِقِ، وَمِنَ الشَّقَاءِ المَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوْءُكَ وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ تَأْمَنْهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُوْنُ قَطُوْفًا [7]؛ فَإِنْ ضَرَبْتَها أَتْعَبَتْكَ وَإِنْ تَرَكْتَهَا لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحَابِكَ، وَالدَّارُ تَكُوْنُ ضَيِّقَةً قَلِيْلَةَ المَرَافِقِ) [8]. فَدَلَّ الحَدِيْثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ مِنْهَا مَا يُسْعِدُ وَمِنْهَا مَا يُشْقِي، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ القَدَرِيَّةِ. [9] (10)

(1) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5093) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا.
(2) البُخَارِيُّ (5094).
[3] قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (510/ 4): (أَيْ: كَأَنَّهَا تفَرَّقَتْ وَتقَطَّعَتْ قِطَعًا مِنْ شِدَّةِ الغَضَبِ).
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (182/ 10): (فَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ وَشِقَّةٌ فِي الأًرْضِ: هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الغَضَبِ وَالغَيْظِ. يُقَالُ: قَدْ انْشَقَّ فُلَانٌ مِنَ الغَضَبِ، كَأَنَّهُ امْتَلَأَ بَاطِنُهُ بِهِ حَتَّى انْشَقَّ).
(4) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (26034). الصَّحِيْحَةُ (993). وَفِي لَفْظٍ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ (1641) عَنْ مَكْحُوْلٍ؛ قِيْلَ لِعَائِشَة: (إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ؛ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ). فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَمْ يَحْفَظْ أَبُو هُرَيْرَةَ، لِأَنَّهُ دَخَلَ وَرَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ، يَقُوْلُوْنَ: الشَّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: الدَّارُ وَالمَرْأَةُ وَالفَرَسُ) فَسَمِعَ آخِرَ الحَدِيْثِ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ).
قَالَ الزَّركَشِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الإِجَابَةُ لِإِيرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ) (ص115): (قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّة: وَرِوَايَة عَائِشَةَ فِي هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لِمُوَافِقَتِهِ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الطِّيَرَةِ نَهْيًا عَامًّا، وَكَرَاهَتِهِ لَهَا وَتَرْغِيْبِهِ فِي تَرْكِهَا بِقَوْلِه (يَدْخُلُ الجَنَّةَ سَبْعُوْنَ ألَفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَهُمُ الَّذِيْنَ لَا يَكْتَوُوْنَ وَلَا يَسْتَرْقُوْنَ وَلَا يَتَطَيَّرُوْنَ وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُوْنَ)).
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحَةِ (993): (وَجُمْلَةُ القَوْلِ أَنَّ الحَدِيْثَ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ، فَمِنْهُم مَنْ رَوَاهُ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَمِنْهُم مَنْ زَادَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِهِ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا طِيَرَةَ أَوْ شُؤْمَ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ - كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ - وعَلَيْهِ الأَكْثَرُوْنَ، فَرِوَايَتُهُم هِيَ الرَّاجِحَةُ؛ لِأَنَّ مَعَهُم زِيَادَةُ عِلْمٍ، فَيَجِبُ قَبُوْلُهَا).
(5) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (424/ 4) عَنْ حَكِيْمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (1930).
(6) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ) (257/ 2): (وَبِالجُمْلَةِ فَإِخْبِارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّؤْمِ أَنَّهُ يَكُوْنُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ فِيْهِ إِثْبَاتُ الطِّيَرَةِ الَّتِيْ نَفَاهَا، وَإنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَه قَدْ يَخْلِقُ مِنْهَا أَعْيَانًا مَشْؤُمَةً عَلَى مَنْ قَارَبَهَا وَسَاكَنَهَا، وَأَعْيَانًا مُبَارَكَةً لَا يَلْحَقُ مَنْ قَارَبَهَا مِنْهَا شُؤْمٌ وَلَا شَرٌ.
وَهَذَا كَمَا يُعْطِي سُبْحَانَهُ الوَالِدَيْنِ وَلَدًا مُبَارَكًا يَرَيَانِ الخَيْرَ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُعْطِي غَيْرَهُمَا وَلَدًا مَشْؤُمًا نَذْلًا يَرَيَانِ الشَّرَّ عَلَى وَجْهِهِ،
وَكَذَلِكَ مَا يُعْطَاهُ العَبْدُ مِنْ وِلايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ الدَّارُ وَالمَرْأَةُ وَالفَرَسُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالسُّعُوْدِ وَالنُّحُوْسِ؛ فَيَخْلِقُ بَعْضَ هَذِهِ الأَعْيَانِ سُعُوْدًا مُبَارَكَةً - وَيَقْضِي بِسَعَادَةِ مَنْ قَارَنَهَا - وَحُصُوْلِ اليُمْنِ لَهُ وَالبَرَكَةِ، وَيَخْلُقُ بَعْضَ ذَلِكَ نُحُوسًا يَتَنَحَّسُ بِهَا مَنْ قَارَنَهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، كَمَا خَلَقَ سَائِرَ الأَسْبَابِ وَرَبَطَهَا بِمُسَبِّبَاتِهَا المُتَضَادَّةِ وَالمُخْتَلِفَةِ).
[7] أَيْ: بَطِيئَةَ السَّيْرِ.
[8] حَسَنٌ. الحَاكِمُ (2684) عَنْ سَعْدٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (5367).
وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ (4032) بِزِيَادَةِ (وَالجَارِ الصَّالِحِ). صَحِيْحٌ. الصَّحِيْحَةُ (282). وَفِيْهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ وَجْهِ الاشْتِرَاكِ مَعَ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ فِي كَثْرَةِ مُلَازَمَةِ الرَّجُلِ لِهَذِهِ الأَشْيَاء.
فَالجَارُ الصَّالِحُ مِنَ السَّعَادَةِ لِأَنَّه يُعِيْنُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ وَيَتَمَثَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العَصْر:3)، وَلَا يُشْغِلُكَ بِالدُّنْيَا وَمَصَائِبِهَا وَفِتَنِهَا عَنِ الآخِرَةِ.
[9] وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الحَدِيْثِ تَصْحِيْحُ الحَدِيْثِ مَوْضُوْعِ هَذِهِ المَسْأَلَةِ، لِأَنَّ مَدَارَ الإِشْكَالِ هُوَ عَلى لَفْظِ الشُّؤْمِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، وَأَيْضًا لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَلَيْهِ؛ فَتَنَبَّهْ.
(10) قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ تَبْوِيْبَ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ (8/ 7) عَلَى الحَدِيْثِ فَقَالَ: (بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ المَرْأَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} (التَّغَابُن:14)).
فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَا يَكُوْنُ فِيْهَا شَرٌّ لِزَوْجِهَا، وَمِنْهَا مَا يَكُوْنُ فِيْهَا خَيْرٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ البُخَارِيُّ (5096) حَدِيْثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرْفُوْعًا (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) وَهَذَا فِيْهِ بَيَانُ سَبَبِ الشُّؤْمِ فِيْهَا، وَأَنَّ فِتْنَةَ المَرْأَةِ لِلرَّجُلِ مِنْ أَعْظَمِ الفِتَنِ، فَلِذَلكَ قَالَ: (بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ المَرْأَةِ)، فَجَعَلَ تِلْكَ الفِتْنَةَ هِيَ سَبَبَ الشُّؤْمِ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ القَدَرِيَّةِ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ. فَرَحِمَ اللهُ البُخَارِيَّ مَا أَدَقَّ نَظَرَهُ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست