responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 258
- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) ألَا يُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّ نَفيَ العَدْوَى هُوَ نَفْيٌ لِوُجُوْدِهَا مُطْلَقًا، وَلَيْسَ لِكَوْنِهَا هِيَ الفَاعِلَةَ نَفْسَهَا؟
الجَوَابُ: قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَكِنَّ الأَرْجَحَ هُوَ مَا أَثْبَتْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ النَّفيَ هُوَ لِاعْتِقَادِهِم سَرَيَانَ العَدْوَى بِطَبْعِهَا دُوْنَ إِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَمِمَّا يُرَجِّحُ هَذَا الوَجْهَ وُجُوْدُ العَدْوَى أَصْلًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْن:
1) أَنَّ الوَاقِعَ يَشْهَدُ لِذَلِكَ، فمُخَالَطَةُ السَّلِيْمِ لِلمَرِيْضِ هُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي حُصُوْلِ مَرَضِ السَّلِيْمِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُرَدَّ.
2) الأَحَادِيْثُ الكَثِيْرَةُ الَّتِيْ فِيْهَا الأَمْرُ بِاجْتِنَابِ مُخَالَطَةِ المَجْذُوْمِ [1] وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْرَاضِ المُعْدِيَةِ، وَهَذَا فِيْهِ إثْبَاتُ العَدْوَى، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُوْرِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) [2]، وكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُوْمِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) [3] [4]، وَكَالأَمْرِ بِعَدَمِ الدُّخُوْلِ أَوِ الخُرُوْجِ مِنْ أَرْضِ الطَّاعُونِ. [5] (6)

[1] الجُذَامُ: مَرَضٌ خَبِيْثٌ مُعْدٍ بِسُرْعَةٍ، ويُسَمَّى أَيْضًا مَرَضُ - هَانْسِن - وَهُوَ مَرَضٌ يُؤَثِّرُ أَسَاسًا عَلَى الجِلْدِ وَالأَغْشِيَةِ المُخَاطِيَّةِ.
وَالجَذْمُ: القَطْعُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَجَذُّمِ الأَصَابِعِ وَتَقَطُّعِهَا.
[2] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2221)، وَالمَعْنَى: لَا يُوْرِدُ صَاحِبُ الإِبِلِ المَرِيْضَةِ عَلَى صَاحِبِ الإِبِلِ الصَّحِيْحَةِ؛ لِئَلَّا تَنْتَقِلَ العَدْوَى.
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (352/ 7): (بَابُ لَا يُوْرِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ؛ فَقَدْ يَجْعَلُ اللهُ تَعَالَى - بِمَشِيئَتِهِ - مُخَالَطَتَهُ إِيَّاهُ سَبَبًا لِمَرَضِهِ).
[3] صَحِيْحٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيْقًا (5707) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الصَّحِيْحَةُ (783).
وتَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بينَ النَّفْي وَالإِثْبَاتِ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ (لَا عَدْوَى، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُوْمِ).
[4] وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُ القَوْلِ الثَّانِي بِأَنَّ الأَمْرَ بِاجْتِنَابِ المَجْذُوْمِ هُوَ لِدَفْعِ وَهْمِ وُجُوْدِ العَدْوَى أَصْلًا.
قُلْتُ: وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ جَوَابِهِم أُمُوْرٌ:
أ) هَذَا التَّعْلِيْلُ لَا دَلِيْلَ صَرِيْحَ عَلَيْهِ؛ وَإنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ وَجْهٍ لِلتَّوْفِيْقِ فَقَط، وَالنَّفْيُ فِي قَوْلِهِ (لَا عَدْوَى) لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَالأَوَّلُ نَفْيٌ لِلْوُجُوْدِ، وَالثَّانِي نَفيٌ لِلصِّحَّةِ، وَالثَّالِثُ نَفيٌ لِلكَمَالِ. وَهُنَا يُمْكِنُ الجَمْعُ بِالحَمْلِ عَلَى نَفي صِحَّةِ الاعْتِقَادِ الشَّائِعِ عِنْدَهُم، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ حَدِيْثٍ وَتَعْطِيْلِ مَعْنَى حَدِيْثٍ.
ب) فِي حَدِيْثِ عَمْرو بْنِ الشَّرِيْدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: (كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفٍ رَجُلٌ مَجْذُوْمٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْل اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاك؛ فَارْجِعْ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2231)، فَلَمْ يُصَافِحْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعَتِهِ؛ وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ سَيِّدُ المُتَوَكِّلِيْنَ وَهُوَ بَعِيْدٌ عَنْ هَذَا الوَهْمِ لَا رَيْبَ؛ وَمَعْ ذَلِكَ فَلَمْ يُصَافِحْهُ!
جـ) هَذَا الوَهْمُ الَّذِيْ جُعِلَ سَبَبَ الفِرَارِ مِنَ المَجْذُوْمِ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالبَيَانِ، وَالبَيَانُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ أَوْضَحُ مِنَ الإِشَارَةِ وَالإِيمَاءِ بِالأَوْجُهِ البَعِيْدَةِ - لَوْ كَانَ هُوَ سَبَبُ نَفي العَدْوَى فِي الحَدِيْثِ -.
[5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5729) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوْعًا.
(6) وَفِي المَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى كَثِيْرْةٌ مَرْجُوحَةٌ مِنْهَا:
دَعْوَى النَّسْخِ بِأَنَّ أَحَادِيْثَ نَفْي العَدْوَى نَاسِخَةٌ لِأَحَادِيْثِ الاجْتِنَابِ (المُثْبِتَةِ للعَدْوَى).
وَبِالعَكْسِ أَيْضًا: أَنَّ أَحَادِيْثَ إِثْبَاتِ العَدْوَى ثَابِتَةٌ؛ وَغَيرُهَا مُتَكَلَّمٌ فِيْهَا. وَكِلَاهُمَا مَرْدُوْدٌ؛ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الجَمْعِ.
وَأَيْضًا دَعْوَى التَّخْصِيْصِ؛ بِأَنَّ أَحَادِيْثَ (لَا عَدْوَى) وَأَحَادِيْثَ مُخَالَطَةِ المَجْذُوْمِ خَاصَّةٌ بِقَوِيِّ الإِيْمَانِ؛ وَأَمَّا أَحَادِيْثَ الاجْتِنَابِ فَهيَ لِضَعِيْفِهِ.
أَوْ أَنَّ الأَمْرَ بِالاجْتِنَابِ لَيْسَ لِمَسْأَلةِ العَدْوَى؛ وَإِنَّمَا رِعَايَةً لِحَالِ المَرِيضِ وَمَنْعًا لِأَذِيَّتِهِ بِإِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ.
أَوْ دَعْوَى التَّخْصِيْصِ بِالاجْتِنَابِ لِمَرِيْضِ الجُذَامِ فَقَط.
قَالَ القَاضِي عِيَاضُ رَحِمَهُ اللهُ: (وَالصَّحِيْحُ الَّذِيْ عَلَيْهِ الأَكْثَرُ - وَيَتَعَيَّنُ المَصِيْرُ إِلَيْهِ - أَنْ لَا نَسْخَ، بَلْ يَجِبُ الجَمْعُ بَيْنَ الحَدِيْثَيْنِ؛ وَحَمْلُ الأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَالأَكْلُ مَعَهُ عَلَى بَيَانِ الجَوَازِ) أ. هـ مُخْتَصَرًا مِنَ الفَتْحِ (159/ 10) لِابْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: حَدِيْثُ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ مَعَ المَجْذُوْمِ ضَعِيْفٌ. أَبُو دَاوُدَ (3925) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا. الضَّعِيْفَةُ (1144).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 258
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست