responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 16
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيْثُ بِأَنَّ كَثِيْرًا مِمَّنْ يَقُوْلُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) يَدْخُلُ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فكَيْفَ الجَمْعُ مَعَ حَدِيْثِ عِتْبَانَ الَّذِيْ فِيْهِ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؟
وَالجَوَابُ: بِأَنَّ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ هُوَ مَنْ قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِيْنٍ تَامٍّ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالِ لَيْسَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا.
(فِإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِيْنٍ تَامٍّ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الحَالِ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا، فَإِنَّ كَمَالَ إِخْلَاصِهِ وَيَقِيْنِهِ يُوْجِبُ أَنْ يَكُوْنَ اللهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذًا لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِرَادَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللهُ، وَلَا كَرَاهَةٌ لِمَا أَمَرَ اللهُ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ - وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوْبٌ قَبْلَ ذَلِكَ -، فَإِنَّ هَذَا الإِيْمَانَ وَهَذَا الإِخْلَاصَ وَهَذِهِ التَّوْبَةَ وَهَذِهِ المَحَبَّةَ وَهَذَا اليَقِيْنَ؛ لَا تَتْرُكُ لَهُ ذَنْبًا إِلَّا مُحِيَ عَنْهُ كَمَا يَمْحُو اللَّيْلُ النَّهَارَ، فَإِذَا قَالَهَا عَلَى وَجْهِ الكَمَالِ المَانِعِ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ؛ فَهَذَا غَيْرُ مُصِرٍّ عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا، فَيُغْفَرُ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَى النَّارِ). [1] (2)

[1] نَقَلَهُ مُلَخَّصًا صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيْدِ (ص47) رَحِمَهُ اللهُ مِنْ مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى.
(2) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (524/ 1) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ -: (فَإِنَّ تَحَقُّقَ القَلْبِ بِمَعْنَى - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - وَصِدْقَهُ فِيْهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْسَخَ فِيْهِ تَأَلُّهَ اللهِ وَحْدَهُ إِجْلَالًا؛ وَهَيْبَةً؛ وَمَخَافَةً؛ وَمَحَبَّةً؛ وَرَجَاءً؛ وَتَعْظِيْمًا؛ وَتَوَكُّلًا؛ وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَبْقَ فِيْهِ مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ وَلَا طَلَبٌ لِغَيْرِ مَا يُرِيْدُ اللهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ القَلْبِ جَمِيْعُ أَهْوَاءِ النُّفُوْسِ وَإِرَادَاتِهَا، وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَطَاعَهُ، وَأَحَبَّ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي إِلَّا لَهُ؛ فَاللَّهُ إِلَهُهُ حَقًّا، وَمَنْ أَحَبَّ لِهَوَاهُ، وَأَبْغَضَ لَهُ، وَوَالَى عَلَيْهِ، وَعَادَى عَلَيْهِ، فَإِلَهُهُ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجَاثِيَة:23) قَالَ الحَسَنُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِيْ كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ، وَكُلَّمَا اشْتَهَى شَيْئًا أَتَاهُ، لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَىً.
وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعًا (مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ)، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ} (يَس:60).
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْقِيْقُ مَعْنَى قَوْلِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِصْرَارٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ، وَلَا عَلَى إِرَادَةِ مَا لَا يُرِيْدُهُ اللهُ، وَمَتَى كَانَ فِي القَلْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي التَّوْحِيْدِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (الأَنْعَامِ:151) قَالَ: لَا تُحِبُّوا غَيْرِي.
وَفِي صَحِيْحِ الحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: (الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ، وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الحُبُّ وَالبُغْضُ؟ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (آلِ عِمْرَانَ:31) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ مَحَبَّةَ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَبُغْضَ مَا يُحِبُّهُ؛ مُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى، وَالمُوَالَاةُ عَلَى ذَلِكَ وَالمُعَادَاةُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ.
وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (لَا تَزَالُ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - تَمْنَعُ العِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللهِ؛ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى صَفْقَةِ دِيْنِهِمْ، فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِيْنِهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ اللهُ: كَذَبْتُمْ).
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ؛ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ)، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِهِ فِي قَوْلِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ طَهَّرَتْ مِنَ القَلْبِ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ، فَمَنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - لَمْ يُحِبَّ سِوَاهُ، وَلَمْ يَرْجُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ، وَلَمْ يَتَوَكَّلْ إِلَّا عَلَى اللهِ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ إِيثَارِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَمَتَى بَقِيَ فِي القَلْبِ أَثَرٌ لِسِوَى اللهِ، فَمِنْ قِلَّةِ الصِّدْقِ فِي قَوْلِهَا).
قُلْتُ: وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ السَّابِقِ مَوْضُوْعٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَاِنُّي فِي الكَبِيْرِ (103/ 8). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (39).
وَحَدِيْثُ (الشِّرْكُ أَخْفَى ...) صَحِيْحٌ مِنْهُ الشَّطْرُ الأَوَّلُ فَقَط. الحَاكِمُ (3148) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. انْظُرْ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (3755).
وَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا السَّابِقِ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ جِدًّا. مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى (4034) بِتَحْقِيْقُ الشَّيْخِ حُسَيْنِ أَسَد حَفِظَهُ اللهُ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست