responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 158
- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) هَلْ يُفَرَّقُ - مِنْ جِهَةِ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ - بَيْنَ كَوْنِ القَبْرِ فِي قِبْلَةِ المُصَلِّي أَمْ لَا؟
الجَوَابُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ، بَلْ تَزْدَادُ الكَرَاهَةُ. (1)
خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الأَفَاضِلِ [2]؛ حَيْثُ أَجَازَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فِيْهِ قَبْرٌ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ - بِشَرْطِ أَنْ يَكُوْنَ القَبْرُ طَارِئًا عَلَى المَسْجِدِ دُوْنَ العَكْسِ، وَوَجْهُ التَّفْرِيْقِ أَنَّ الأَوَّلَ مَخْصُوْصٌ بِالحَدِيْثِ (لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ) [3]، بِمَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ هُوَ عَنِ الاسْتِقْبَالِ فَقَط، وَأَمَّا النَّهْيُ فِي حَالَةِ أَنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ طَارِئًا عَلَى القَبْرِ؛ هُوَ لِكَوْنِهِ صَارَ كَمَسْجِدِ الضِّرَارِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى فِيْهِ: {لَا تَقُمْ فِيْهِ أَبَدًا} (التَّوْبَة:108)!
وَالجَوَابُ عَلَى مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ القَبْرِ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ أَمْ لَا، وَذَلِكَ بِسَبَبِ:
أ- عُمُوْمِ النَّهْي دُوْنَ مُخَصِّصٍ، كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيْثِ (أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُوْرَ مَسَاجِدَ) [4]، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ - فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ - بَيْنَ كَوْنِ المَسْجِدِ هُوَ الطَّارِئُ عَلَى القَبْرِ أَمِ العَكْسُ.
ب- أَنَّ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القَبْرِ أَخَصُّ مِنَ عُمُوْمِ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ الَّتِيْ فِيْهَا القُبُوْرُ؛ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَكِنْ تَزْدَادُ الكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ وَالقَبْرُ فِي قِبْلَتِهِ. (5)
ج- أَنَّ عِلَّةَ النَّهْي وَاحِدَةٌ فِي الحَالَتَيْنِ؛ وَهِيَ أَنَّهَا ذَرِيْعَةٌ إِلَى الشِّرْكِ.
د- أَنَّ الامْتِنَاعَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ الذِيْ بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ - دُوْنَ العَكْسِ -؛ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ مِنْ جِهَةِ الوَاقِعِ وَالتَّطْبِيْقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيْزُ أَيِّهِمَا طَرَأَ عَلَى الآخَرِ مِنْ قِبَلِ عَامَّةِ النَّاسِ - اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ، أَوْ أُخْبِرَ بِهِ جَزْمًا -، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي رَدِّ ذَلِكَ التَّفْرِيْقِ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ.
وَأَمَّا جَعْلُ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيُ اللهُ عَنْهَا - لَمَّا وُسِّعَ المَسْجِدُ - مُثَلَّثَةَ الشَّكْلِ مُحَدَّدَةً؛ فَصَحِيْحٌ أَنَّهُ كَيْ لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةِ القَبْرِ مَعَ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَبٌّ فَقَط عَلَى اسْتِقْبَالِ القَبْرِ بِالصَّلَاةِ فَقَط، وَذَلِكَ لِأَنَّ المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ لَهُ خُصُوْصِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ - كَمَا سَبَقَ - حَيْثُ فِيْهِ فَضِيْلَةُ الصَّلَاةِ، وَفِيْهِ كَوْنُ القَبْرِ مُحَاطًا بِالجُدْرَانِ غَيْرَ ظَاهِرٍ، فَصَارَتْ حَقِيْقَةُ الأَمْرِ هُوَ زِيَادَةُ الاحْتِيَاطِ - حَتَّى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القَبْرَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ -، فَحَقِيْقَةُ تَثْلِيْثِ الجِدَارِ إِذًا هُوَ كَيْ لَا تَظْهَرَ صُوْرَةُ التَّقَصُّدِ لِلحُجْرَةِ الَّتِيْ فِيْهَا القَبْرُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلجُدْرَانِ الَّتِيْ أُقِيْمَتْ حَوْلَهُ أَصْلًا مَعْنَى؛ إِذَا كَانَ عَدَمُ الاسْتِقْبَالِ كَافِيًا فِي ذَلِكَ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ. (6)

(1) قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الثَّمَرُ المُسْتَطَابُ) (380/ 1): (وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ يَحْيَى الكَانْدَهْلَوِيُّ الهِنْدِيُّ الحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ (الكَوْكَبُ الدُّريُّ عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) مَا نَصُّهُ: (وَأَمَّا اتِّخَاذُ المَسَاجِدِ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا فِيْهِ مِنَ الشَّبَهِ بِاليَهُوْدِ فِي اتِّخَاذِهِم مَسَاجِدَ عَلَى قُبُوْرِ أَنْبِيَائِهِمِ وَكُبَرَائِهِم وَلِمَا فِيْهِ مِنْ تَعْظِيْمِ المَيِّتِ وَشَبَهٍ بِعَبَدَةِ الأَصْنَامِ لَوْ كَانَ القَبْرُ فِي جَانِبِ القِبْلَةِ.
وَكَرَاهَةُ كَوْنِهِ فِي جَانِبِ القِبْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ كَرَاهَةِ كَوْنِهِ يَمِيْنًا أَوْ يَسَارًا؛ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ المُصَلِّي فَهُوَ أَخَفُّ كَرَاهَةٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ كَرَاهَةٍ).
وَقَدْ ذَكَرَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ وَالعَيْنِيُّ فِي (العُمْدَةِ): (أَنَّ القَبْرَ فِي المَسْجِدِ إِذَا كَانَ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ فَإِنَّهُ تَزْدَادُ الكَرَاهَةُ). وَهَذَا هُوَ الحَقُّ فِي المَسْأَلَةِ حَسْبَ التَّفْصِيْلِ الَّذِيْ ذَكَرَهُ الهِنْدِيُّ).
[2] كَالشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ. اُنْظُرْ أَشْرِطَةَ شَرْحِ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ لِلشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ - كِتَابُ الجَنَائِزِ - شَرِيْطُ (رَقَم 6/أ)، سُؤَالُ (إِذَا كَانَ القَبْرُ عَنْ يَمِيْنِ الإِنْسَانِ أَوْ يَسَارِهِ؟)
[3] صَحِيْحٌ. الطَّبرانيُّ في الكَبِيْرِ (376/ 11) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (7348).
[4] مُسْلِمٌ (532) عَنْ جُنْدُبٍ مَرْفُوْعًا.
(5) وَقَدْ يَشْهَدُ لِلتَّفْرِيْقِ - بَيْنَ المَسْجِدِ المُتَّخَذِ لِلصَّلَاةِ؛ وَبَيْنَ عُمُوْمِ أَمَاكِنِ الصَّلَاةِ - مَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ قَالَ: (قُمْتُ يَوْمًا أُصَلِّي - وَبَيْنَ يَدِيَّ قَبْرٌ لَا أَشْعُرُ بِهِ -؛ فَنَادَانِي عُمَرُ: القَبْرَ القَبْرَ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي القَمَرَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يِلِيْنِي: إِنَّمَا يَعْنِي القَبْرَ، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (93/ 1) مُعَلَّقًا، وَوَصَلَهُ الحَافِظُ، وَهُوَ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ فِي الكُبْرَى (4277) وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ (1581) وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (تَحْذِيْرُ السَّاجِدِ) (ص35).
فَقَوْلُهُ (فَتَنَحَّيْتُ) قَدْ يُفِيْدُ أَنَّ النَّهْيَ هُوَ عَنِ الاسْتِقْبَالِ فَقَط - فِي غَيْرِ المَسْجِدِ المُتَّخَذِ لِلصَّلَاةِ -، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ فِي لَفْظٍ آخَرَ أَنَّهُ (جَازَ القَبْرَ وَصَلَّى).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (524/ 1): (وَالأَثَرُ المَذْكُوْرُ عَنْ عُمَرَ رَوَيْنَاهُ مَوْصُوْلًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ - شَيْخِ البُخَارِيِّ - وَلَفْظُهُ (بَيْنَمَا أَنَسٌ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ نَادَاهُ عُمَرُ: القَبْرَ القَبْرَ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَعْنِي القَمَرَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ يَعْنِي القَبْرَ؛ جَازَ القَبْرَ وَصَلَّى). وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى بَيَّنْتُهَا فِي تَغْلِيْقِ التَّعْلِيْقِ؛ مِنْهَا مِنْ طَرِيْقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيْهِ (فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلِيْنِي: إِنَّمَا يَعْنِي القَبْرَ، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ)، وَقَوْلُهُ (القَبْرَ القَبْرَ) بِالنَّصْبِ فِيْهِمَا عَلَى التَّحْذِيْرِ، وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ) اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تَمَادِي أَنَسٍ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَهَا لَقَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ).
اُنْظُرْ أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (ش647) لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
واُنْظُرْ شَرْحَ كِتَابِ (قُرَّةُ عُيُوْنِ المُوَحِّدِيْنَ) (ش24) لِلشَّيْخِ صَالِحِ الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ.
(6) قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (14/ 5): (وَلَمَّا احْتَاجَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ وَالتَّابِعُوْنَ إِلَى الزِّيَادَة فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ كَثُرَ المُسْلِمُوْنَ؛ وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوْتُ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ فِيْهِ، - وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ مَدْفِنُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؛ بَنَوْا عَلَى القَبْرِ حِيْطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيْرَةً حَوْلَهُ لِئَلَّا يَظْهَر فِي المَسْجِدِ - فَيُصَلِّي إِلَيْهِ العَوَامُّ وَيُؤَدِّي المَحْذُوْرِ - ثُمَّ بَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيْ القَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ، وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى التَقَيَا؛ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيْثِ: (لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذ مَسْجِدًا). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ).
تَنْبِيْهٌ) عَزُو إِدْخَالِ الحُجْرَةِ فِي المَسْجِدِ إِلَى الصَّحَابةِ لَا يَثْبُتُ؛ كَمَا أَوْضَحَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الصَّارِمُ المُنْكِي) (ص151).
قُلْتُ: وَفِي (إِكْمَالِ المُعَلِّمِ) (252/ 2) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلقَاضِي عِيَاض: (وَلِهَذَا لَمَّا احْتَاجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكَاثُرِهِم بِالمَدِيْنَةِ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ أُدْخِلَ فِيْهَا بُيُوْتَ أَزْوَاجِهِ)، فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّحَابَةَ؛ فَتَنَبَّهْ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 158
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست