responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 157
- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ) إِنَّ النُّصُوْصَ السَّابِقَةَ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيْمِ، وَلَكِنْ حَمَلَهَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى الكَرَاهَةِ؛ كَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ حَيْثُ قَالَ: (وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَظَّمَ مَخْلُوْقٌ حَتَّى يُجْعَلَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا؛ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَالضَّلَالِ وَعَلَى مَنْ بَعْدِهُ مِنَ النَّاسِ)؟ (1)
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ القَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيْهِ عَلَى المَعْنَى الاصْطِلَاحِيِّ لِلكَرَاهَةِ - أَيْ: الَّذِيْ لَا يَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَيُثَابُ تَارِكُهُ للهِ! - غَيْرُ مُسْتَقِيْمٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّحْرِيْمِ، بَلْ وَأَشَدِّ التَّحْرِيْمِ، وَدَلَّتْ لِذَلِكَ أَلْفَاظُ الحَدِيْثِ وَفِيْهِ (اللَّعْنُ، شِرَارُ النَّاسِ) فَهِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الكَبَائِرِ كَمَا لَا يَخْفَى.
2) أنَّ العُلَمَاءَ الَّذِيْنَ تَكَلَّمُوا بِالكَرَاهَةِ إنَّمَا قَصَدُوا التَّحْرِيْمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَلْفَاظَ السَّلَفِ هِيَ أَلْفَاظُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ [2]، وَأَمَّا الكَرَاهَةُ عِنْدَنَا - اليَوْمَ - فَهَذِهِ كَرَاهَةٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا المُتَأَخِّرُوْنَ لِلتَّفْرِيْقِ فِي النَّهْي بَيْنَ مَا يَأْثَمُ فَاعِلُهُ وَمَا لَا يَأْثَمُ، وَلَوْ رُحْتَ تَسْتَعْرِضُ نُصُوْصَ القُرْآنِ فِي الكَرَاهَةِ لَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ. (3)
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) [4]: (وَقَدْ غَلَطَ كَثِيْرٌ مِنَ المُتَأَخِّرِيْنَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِم بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَيْثُ تَورَّعَ الأَئِمَّةُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيْمِ وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الكَرَاهَةِ، فَنَفَى المُتَأَخِّرُوْنَ التَّحْرِيْمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِم لَفْظُ الكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِم، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُم عَلَى التَّنْزِيْهِ فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيْمٌ عَلَى الشَّرِيْعَةِ وَعَلَى الأَئِمَّةِ). (5)
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ هُنَا يُقْصَدُ بِهِ التَّحْرِيْمُ. (6)

(1) الأُمِّ (317/ 1) لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
[2] هَذَا هُوَ الأَصْلُ إِلَّا لِقَرِيْنَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا السِّيَاقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الرِّسَالَةُ) (ص216): (وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لِلتَّحْرِيْمِ حَتَّى تَأْتِيَ دِلَالَةٌ عَنْهُ عَلَى أنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّحْرِيْمِ).
(3) وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوْقَ وَالعِصْيَانَ} (الحُجُرَات:7).
[4] إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ (32/ 1).
(5) قَالَ ابْنُ بَدْرَانَ - فَقِيْهٌ أُصُوْلِيٌّ حَنْبَلِيٌّ (ت 1346هـ) - فِي كِتَابِهِ (المَدْخَلُ إِلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) (ص130): (فَالسَّلَفُ كَانُوا يَسْتَعْمِلُوْنَ الكَرَاهَةَ فِي مَعْنَاهَا الَّذِيْ اسْتُعْمِلَتْ فِيْهِ فِي كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُوْلِهِ، وَلَكِنَّ المُتَأَخِّرُوْنَ اصْطَلحُوا عَلَى تَخْصِيْصِ الكَرَاهَةِ بِمَا لَيْسَ بمُحَرِّمٍ وتَرْكُهُ أَرْجَحُ مِنْ فِعْلِهِ).
(6) وَبِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي الأُمِّ (318/ 1) أَيْضًا (وَأَكْرَهُ النِّيَاحَةَ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَأَنْ تَنْدُبَهُ النَّائِحَةُ عَلَى الانْفِرَادِ. لَكِن يُعزَّى بِمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الصَّبْرِ وَالاسْتِرْجَاعِ، وَأَكْرَهُ المَأْتَمَ - وَهِيَ الجَمَاعَةُ؛ وَإِنْ لَمْ يَكْنْ لَهُم بُكَاءٌ - فَإِنَّ ذَلِكَ يُجَدِّدُ الحُزْنَ وَيُكَلِّفُ المُؤْنَةَ).
قُلْتُ: وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَوْلُهُ بِالكَرَاهَةِ لِلنِّيَاحَةِ؛ رُغْمَ مَا عُلِمَ مِنَ الحَدِيْثُ - الَّذِيْ فِي مُسْلِمٍ (67) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا - (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي الأنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ).
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَجْمُوْعِ (307/ 5) - فِي سِيَاقِ الحَدِيْثِ عَنِ النِّيَاحَةِ -: (وَكَذَا وَقَعَ لَفْظُ الكَرَاهَةِ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي (الأُمِّ) وَحَمَلَهَا الأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيْمِ، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست