responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 108
الدَّلِيْلُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ عِنْدَ زِيَارَةِ القُبُوْرِ مِنَ الدُّعَاءِ لِلأَمْوَاتِ بِصِيْغَةِ الخِطَابِ (السَّلَامُ عَلَيْكُم)، وَأَيْضًا تَسْمِيَتُهَا بِـ (زِيَارةِ القُبُوْرِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُم يَعْلَمُوْنَ مَنْ يَزورُهُم. (1)
وَالجَوَابُ:
أ) أَنَّ لَفْظَ الخِطَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَبَدًا أَنْ يَكُوْنَ المُخَاطَبُ سَامِعًا لِلنِّدَاءِ [2]، كَمَا فِي مُخَاطَبَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلحَجَرِ الأَسْوَدِ فِي قَوْلِهِ (إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [3] (4)
وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا هَاجَرَ، فَخَاطَبَ مَكَّةَ قَائِلًا: (وَاللهِ؛ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ). (5)
وَكَمُخَاطَبَةِ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِم: (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) - وَهُم فِي جَمِيْعِ المَسَاجِدِ - وَلَمْ يَكُنْ يَسْمَعُهُم وَيَرُدُّ عَلَيْهِم السَّلَامَ [6]، وَلَكِنَّهَا عِبَادَةٌ يُتعَبَّدُ اللهُ تَعَالَى بِهَا - أَيْ: دُعَاءُ دُخُوْلِ المَقَابِرِ، وَالتَّشَهُّدُ -. (7)
ب) أَمَّا الاسْتِدْلَالُ بِتَسْمِيَةِ (زِيَارَةِ القُبُوْرِ)؛ وَأَنَّ مَفَادَهَا عِلْمُ أَهْلِ القُبُوْرِ بِمَنْ زَارَهُم كَمَا يُزَارُ الأَحْيَاءُ! فَهُوَ قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيْحٍ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ يُقَاسُ المَيِّتُ عَلَى الحَيِّ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَبْعَدُ القِيَاسِ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا قَدْ سَمَّاهَا (زِيَارَةَ القُبُوْرِ وَلَيْسَ زِيَارَةَ المَوْتَى)؛ لِأَنَّ المَزُوْرَ هُنَا هُوَ القَبْرُ وَلَيْسَ المَيِّتَ.
وَنَقُوْلُ أَيْضًا أَنَّ الجَمَادَ أَيْضًا تَصِحُّ تَسْمِيَةُ إِتْيَانِهِ زِيَارَةً، كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُوْرُ البَيْتَ فِي الحَجِّ [8]، وَمِنَ المَعْلُوْمِ تَسْمِيَةُ طَوَافِ الإِفَاضَةِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَهُوَ فِي المَدِيْنَةِ يَزُوْرُ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا [9]، فَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يَقُوْلُ: بِأَنَّ البَيْتَ وَقُبَاءَ هُمَا مِنَ الأَحْيَاءِ - أَيْ: لَيْسَا بِجَمَادَيْنِ - وَيَشْعُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِزِيَارَةِ الزَّائِرِ أَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِزِيَارَتِهِ؟!

(1) وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ مَنْقُوْلَةٌ عَنِ ابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الرُّوْح) (ص8).
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّعْلِيْقِ عَلَى (الآيَاتُ البَيِّنَاتُ) (ص39): (إِنِّيْ فِي شَكٍّ كَبِيْرٍ مِنْ صِحَّةِ نِسْبَةِ (الرُّوْحِ) إِلَيْهِ، أَوْ لَعَلَّهُ ألَّفَهُ فِي أَوَّلِ طَلَبِهِ لِلعِلْمِ. وَاللهُ أَعْلَمُ).
[2] وَإِنْ فُرِضَ سَمَاعُهُم فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالزِّيَارَةِ وَبِلَفْظِ السَّلَامِ فَقَط. مُسْتَفَادٌ مِنْ تَفْسِيْرِ رُوْحِ المَعَانِي (57/ 11) لِلشَّيْخِ مَحْمُوْد الآلُوْسِيِّ (وَالِدِ مُؤَلِّفِ الكِتَابِ الأَصْلِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى).
وَإِلى هَذَا ذَهَبَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (327/ 6)، فَقَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَ الأَمْوَاتِ عِنْدَ قُبُوْرِهِم، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَالسَّلَفِيَّةِ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَدْ شُرِعَ السَّلَامُ عَلَى المَوْتَى، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْعُرْ وَلَا يَعْلَمُ بِالمُسَلِّمِ مُحَالٌ، وَقَدْ عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إِذَا رَأَوا القُبُوْرَ أَنْ يَقُوْلُوا: السَّلَامُ عَلَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ).
قُلْتُ: وَقَدْ سَبَقَ فِي الحَاشِيَةِ قَوْلُهُ بِعَدَمِ السَّمَاعِ، وَلكِنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيْلِ (السَّلَامُ - عِنْدَ القَبْرِ). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَرِيْبٌ مِنْهُ قَوْلُ شَيْخِ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَجْمُوِعِ الفَتَاوَى (364/ 24): (فَهَذِهِ النُّصُوْصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الجُمْلَةِ كَلَامَ الحَيِّ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ السَّمْعُ لَهُ دائِمًا بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُوْنَ حَالٍ).
[3] البُخَارِيُّ (1597).
(4) قُلْتُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ (961) - وَهُوَ صَحِيْحٌ، كَمَا فِي صَحِيْحِ الجَامِعِ (5346) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا فِي الحَجَرِ الأَسْوَدِ (وَاللهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ؛ يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّهُ جَمَادٌ، وَإِذَا شَاءَ اللهُ أَنْطَقَهُ، وَذَلِكَ كَائِنٌ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَثَانِيَهُمَا: أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ فِي صِفَتِهِ السَّمَاعُ بَلِ البَصَرُ وَالنُّطْقُ. وَالحَمْدُ للهِ.
(5) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (3925) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الحَمْرَاءِ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (7089).
[6] وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَمِنْ نَفْسِ البَابِ يُجَابُ عَنْ حَدِيْثِ الضَّرِيْرِ الَّذِيْ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (3578) - وَهُوَ صَحِيْحٌ - وَسَيَأْتِي إِنْ شاءَ اللهُ فِي المُلْحَقِ الثَّامِنِ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ وهو (مُخْتَصَرُ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ)).
(7) وِمِثْلُهُ حَدِيْثُ (مَنْ رَأَى مُبْتَلى، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيْلًا؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ). صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (3432) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (602).
قَالَ المُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) (130/ 6): (قَالَ العُلَمَاءُ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُوْلَ هَذَا الذِّكْرَ سِرًّا بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَا يُسْمِعْهُ المُبْتَلَى؛ إِلَّا أَنْ تَكُوْنَ بَلِيَّتُهُ مَعْصِيَةً فَيُسْمِعُهُ - إِنْ لَمْ يَخَفْ مَفْسَدَةً -).
[8] البُخَارِيُّ (174/ 2) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
[9] مُسْلِمٌ (1399) عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 108
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست