اسم الکتاب : الولاء والبراء والعداء في الإسلام المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 14
رَبِّهِ أَحَدًا) ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه أبو داود وغيره ومعلوم أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة، ولا يوجب له حكم الكفار, ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل ".فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة، وإلى ما لا ينقل عنها, وكذا النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل، فنفاق الاعتقاد: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار, ونفاق عمل كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان). وفي الصحيح أيضاً (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان) فهذا نفاق عمل، قد يجتمع مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن الإيمان ينهي المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.
وكلام الإمام أحمد يدل على هذا، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، هل يكون مصراً من كانت هذه حاله؟ قال: هو مصر مثل قوله (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ونحو قوله (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن). ونحو قول ابن عباس في قوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال إسماعيل: فقلت له ما هذا الكفر؟ قال: لا ينقل عن الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.
وهاهنا أصل آخر: وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان, وهذا من أعظم أصول أهل السنة، وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة , والقدرية , ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة , قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) فأثبت لهم إيماناً به سبحانه مع الشرك، وقال تعالى: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فأثبت لهم إسلاماً وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه: (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين، بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله، وليسوا مؤمنين, وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار.
قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن – يريد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب – فهو مسلم ولا أسميه مؤمناً، ومن أتى دون ذلك – يريد دون الكبائر – سميته مؤمناً ناقص الإيمان، فقد دل على هذا قوله صلى الله عليه
اسم الکتاب : الولاء والبراء والعداء في الإسلام المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 14