اسم الکتاب : بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 5
نقل ابن وهب وابن المنذر- نقلاً صحيحًا عن عمر -رضي الله عنه- قوله بجواز نكاح الكتابيات.
6 - ورد القائلون بالإباحة على المعقول الأول وهو أن الأصل في الإبضاع التحريم ولذلك فهي مما يلزم الاحتياط فيها فيحرم على المسلمين لهذا الزواج من الكتابيات.
فقال من يرى الإباحة أن هذا القول ليس على إطلاقه، وغير مسلم به حيث إن قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) يفيد بعد تعداد محرمات النكاح، أن الكتابيات داخلات في عموم آية الحل غير مخرجات منها، حيث إن آية النهي عن نكاح المشركات غير متناولة للكتابيات، وتكون آية المائدة وهي قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) جاءت مؤكدة للحل الوارد في العموم دفعًا لتوهم حرمتهن، كما فهم بعض الصحابة ذلك.
7 - ثم رد القائلون بالإباحة على المعقول الثاني، بأن من لها كتاب مبدل أو منسوخ يصح أن تندرج تحت من لها شبهة كتاب، نظرًا لكتابها المغير وصحة دينها في أصله، وبذلك لا مساواة بينها وبين من لا كتاب لها أصلاً، وتفرقة الشارع الحكيم بينهما في الأحكام دليل ناطق على ذلك, فقد حقن دماء أهل الكتاب دون أهل الشرك، وأحل ذبيحة أهل الكتاب دون أهل الشرك فناسب أن تفارق الكتابية المشركة في حكم النكاح بها فلا تساويها في حرمة التزوج بها.
8 - بالنسبة للرد على من قال بحرمة الزواج من الكتابيات مستنداً على أن علة النهي المقتضية لتحريم المشركات غير الكتابيات في قوله تعالى: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) تشمل الكتابيات, قال الجصاص: فإن قيل: لما قال عقيب تحريم نكاح المشركات: {أولئك يدعون إلى النار} دل على أنه لهذه العلة حرم نكاحهن، وذلك موجود في نكاح الكتابيات الذميات، والحربيات منهن، فوجب تحريم نكاحهن لهذه العلة كتحريم نكاح المشركات. قيل له: معلوم أن هذه ليست علة موجبة لتحريم النكاح; لأنها لو كانت كذلك لكان غير جائز إباحتهن بحال، فلما وجدنا نكاح المشركات قد كان مباحا في أول الإسلام إلى أن نزل تحريمهن مع وجود هذا المعنى وهو دعاء الكافرين لنا إلى النار, دل على أن هذا المعنى ليس بعلة موجبة لتحريم النكاح; وقد كانت امرأة نوح وامرأة لوط كافرتين تحت نبيين من أنبياء الله تعالى، قال الله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} فأخبر بصحة نكاحهما مع وجود الكفر منهما، فثبت بذلك أن الكفر ليس بعلة موجبة لتحريم النكاح; وإن كان الله تعالى قد قال في سياق تحريم المشركات: {أولئك يدعون إلى النار} فجعله علماً لبطلان نكاحهن، وما كان كذلك من المعاني التي تجري مجرى العلل الشرعية، فليس فيه تأكيد فيما يتعلق به الحكم من الاسم فيجوز تخصيصه كتخصيص الاسم , وإذا كان قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} يجوز به تخصيص التحريم الذي علق بالاسم، جاز أيضاً تخصيص الحكم المنصوب على المعنى الذي أجري مجرى العلل الشرعية، ونظير ذلك قوله: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله} فذكر ما يحدث عن شرب الخمر من هذه الأمور المحظورة وأجراها مجرى العلة; وليس
اسم الکتاب : بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 5