فيجب الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر يشمل الإيمان بأن الله قد علم أهل الجنة من أهل النار، وكتب ذلك، ولهذا لما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه (ما من نفس إلا وقد علم مكانها من الجنة ومكانها من النار، قال رجل: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة) [1]، وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: لا؛ بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) [الشمس] [2].
والنظر للقدر في أمر الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية من أعظم مداخل الشيطان؛ لأن الشيطان يوسوس ويقول: ما دام الأمر قد مضى وسبق به القدر؛ فإن كنت من أهل الجنة فستكون من أهل الجنة! لا لن تكون من أهل الجنة إلا إذا عملت بسبب دخول الجنة، فلن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، فمن سبق علم الله وكتابه بأنه من أهل الجنة، فلا بد أن يقوم به سبب دخولها، وإن لم يقم به سبب دخولها فوالله لا يدخلها، وكل مكلف لا بد أن يقوم بأحد السببين: سبب دخول الجنة أو سبب دخول النار، كما تقدم: (والأعمال بالخواتيم).
وقوله: (وكلٌ يعمل لما قد فُرِغَ له، وصائر إلى ما خُلِق له).
وكلٌ من المكلفين يعمل لما قد فُرِغَ له منه، و (كُلٌ) التنوين فيها عِوضٌ عن (أحد)، (يعمل لما قد فُرِغَ له) منه (وصائر إلى ما خُلِق له) هذا شرح وتبسيط لما قبله، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فكل ميسر لما [1] تقدم في ص 163. [2] تقدم في ص 164.