وملائكة العذاب، فقالت: ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة». (1)
ويلاحظ أن التوفي جاء في القرآن منسوبا إلى الله: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى)) [الزمر: 42].
ومنسوبا إلى ملك الموت: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)) [السجدة: 11].
ومنسوبا إلى الملائكة: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)) [النحل: 28] فمن المتوفي إذًا؟
والجواب: أن الله سبحانه وتعالى هو المتوفي؛ لأنه سبحانه هو الذي أمر به وبمشيئته يكون، ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)) [الأنعام: 61] فالملائكة رسل من عند الله يرسلهم لقبض روح من شاء من عباده.
وأضيف التوفي إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي يتولى قبضَ النفسِ وأخذها أول ما تخرج من الجسد.
وأضيف إلى الملائكة باعتبار أنهم يقبضونها ويتولونها بعد ذلك.
فكلها حق، فنُسب التوفي إلى كلٍّ لثبوت ذلك على الوجه الذي يناسبه.
وإنها لآية عظيمة أنَّ هذه الأنفس الكثيرة التي تموت في اللحظة الواحدة يتوفاها ويتولاها ملك واحد، فهذا يفيدنا أن أمر الغيب لا تحيط
(1) البخاري (3470)، ومسلم (2766) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.