كما قال تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [التكوير: 29]، فإذا أطاع العبد ربه فبتوفيقٍ وتيسيرٍ منه تعالى لعبده، وإذا فعل العبد المعصية فبعدم ذلك التوفيق، وعدمُ هذا التوفيق هو تيسيرٌ لذلك العمل.
وهناك سؤال يجري على ألسن بعض الناس يقولون: الإنسان مسير أم مخير؟
وهذا من الألفاظ التي لم ترد في النصوص فلا بد فيها من التفصيل، فمن أراد أنه (مخير) بمعنى أنه له مشيئة واختيار؛ فنعم، وإن أراد أنه مخير أنه يتصرف بمحض مشيئته خارجا عن مشيئة الله وقدرته فهذا باطل، فلا خروج لأحد عن قدرة الله ومشيئته، وكذلك (مسير)؛ فإن أراد بميسر أنه في جميع أموره يتحرك بتدبير الله وتقديره ومشيئته فنعم، وإن أراد أنه مسير لا اختيار له ولا مشيئة؛ بل هو مجبور؛ فهذا باطل.
وقوله: (والأعمال بالخواتيم).
أي: أن المعتبر في مصير العبد هو ما يختم له به، فقد يعيش الإنسان عمرا طويلا وهو في أعمال الكفر والضلال والعصيان، ثم يدركه ما سبق به الكتاب، فيؤمن ويموت، فيختم له بالإيمان والعمل الصالح كحادثة سحرة فرعون أمضوا حياتهم كلها في عبادة فرعون، وعمل السحر، ولما رأوا الآيات أشرق الإيمان في قلوبهم ((فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)) [الشعراء: 46 - 48] وقوله تعالى: حكاية عن قول فرعون لهم: ((وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابَاً وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) [طه: 71 - 72] تحولوا من الكفر الذي هو من أغلظ الكفر إلى هذه المرتبة من الإيمان، فصاروا إلى كرامة الله فختم لهم بذلك العمل، وشواهد هذا كثيرة.