اسم الکتاب : مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 448
وكذلك فإن كل نفس تجد في داخلها كراهية السجن كراهية طبيعية، ولكن لما كان فيه مصلحة شرعية ليوسف –عليه السلام- صار أحب إليه شرعاً وإن كان يبغضه طبعاً، كما قال تعالى عن يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:33].
وكذلك فإن الإنسان إذا تصدق بأنفس ماله عنده اجتمع في هذا الفعل حب وبغض، فهو يحب ماله طبعاً، ويحب التخلي عنه والصدقة به شرعاً، كما قال تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92] وقال تعالى (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) [البقره:177] وقال تعالى يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) [الإنسان:8].
وأما قول بعضهم (إن الحب والبغض عمل قلبي يهجم على القلب لاحيلة فيه، وبالتالي يعفى عن حب الكفار) فمؤدى كلام هؤلاء إخراج الحب والبغض عن أصل التكليف، وبالتالي إبطال كل أوامر الحب والبغض التي أمر الله بها ورسوله، فصار أمر الله بحبه، وحب رسوله، وحب الأنصار، وحب آل البيت، وغيرها من الشرائع، كلها لغو وعبث لاقيمة له لأن الحب والبغض شأن قلبي يهجم على الانسان ولاحيلة له فيه.
بمعنى أن قول النبي مثلاً في صحيح البخاري (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) لو جاء شخص وقال الحب عمل قلبي يهجم على المرء بلا حيلة، ولا أجد في نفسي حب النبي أكثر من والدي وولدي؟! فهل هذا مقبول؟!
ولذلك لما جاء عمر وأخبر النبي بما في نفسه لم يقبل النبي هذا الكلام، وصحح له هذا الفهم، حتى ارتقى إيمان عمر، كما في البخاري (يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الآن يا عمر).
فعمر حين قال (لأنت الآن أحب إلي من نفسي) إنما جاهد نفسه حين عرف ثواب الحب، فالحب والبغض يحصل بالمجاهدة.
اسم الکتاب : مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 448