اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 596
[المسألة الأولى] :
الله - عز وجل - ذَكَرَ في القرآن كثيراً إجابته للدعاء وللسؤال وإعطاءه، كقوله - عز وجل -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ، وأثنى الله - عز وجل - على الأنبياء بأنهم يدعون الله - عز وجل - خوفاً وطمعا، وبيَّنَ - عز وجل - أنه يُجيب دعوة المضطر فقال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل:62] ، بل بَيَّنَ - عز وجل - أنه أجاب دعاء إبليس، إذ قال سبحانه: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36-37] ، وبَيَّنَ الله - عز وجل - أنه ربما أجاب دعاء أولياء الشيطان والكفرة فقال سبحانه: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان.32] .، ونحو ذلك من الآيات كقوله {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67] ، وهذا مُنَوَّعٌ في القرآن كثيراً في أنَّ الله سبحانه خَلَقَ الخلق جميعاً، فهو رب المؤمن ورب الكافر، وربوبيته للكافر تقتضي إعطاءه، وربوبيته للمؤمن تقتضي إعطاءه، وهكذا، ربما أعطى المؤمن فكان في حقه نعمة وربما أعطى الكافر فكان في حقه عذاباً ونقمة، فهم يَسْأَلُونْ والله - عز وجل - يجيب الداعي ويجيب المضطرّ إذا دعاه.
وقضاء الحاجات أيضاً يبتدئه الرب - عز وجل - ويُعْطِيْ عبده إذا سأله قضاء حاجة، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:15-17] ، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث سلمان: «إن الله حييٌ [ستِّير] [1] يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين» [2] رواه أبو داوود، والإمام أحمد وجماعة بإسنادٍ صحيح، وأيضاً جاء في سنن ابن ماجه وعند غيره: «من لم يسأل الله يغضب عليه» [3] ، وفي إسناده نظر، وأيضاً صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الله ينزل آخر كلّ ليلة إلى السماء الدنيا فيُنادي هل من داع فأستجيبَ له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له» [4] ، وهذا يدلّ على أنَّ الرّب - جل جلاله - يقضي حاجات العباد ويُفيض عليهم من الخيرات وهو سبحانه الذي دعا إلى دعائه وهو الذي يُجيب، وهذا يدل -كما سيأتي- على أنَّ الدعاء سبب من الأسباب العظيمة النّافعة التي جعلها الله - عز وجل - سبباً. [1] الصواب: كريم. والله أعلم. [2] أبو داود (1488) / الترمذي (3556) / ابن ماجه (3865) [3] الترمذي (3373) [4] سبق ذكره ص 174
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 596