اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 439
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
الأسئلة
س[1]رحمه الله ما توجيهكم لحديث البطاقة وحديث «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطيئة ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه مسلم [1] مع العلم أنَّ صاحب الكبيرة تحت المشيئة؟
جرحمه الله ما فهمت وجه الاستشكال؛ لكن لعله أنه فَهِمْ من العموم في حديث «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» فَهِمْ من العموم أنَّ هذا يعارض كون صاحب الكبيرة تحت المشيئة إذا مات غير تائب.
وهذا غير وارد لأنَّ النصوص يُصَدِّقُ بعضها بعضاً، والآيات يفسر بعضها بعضاً، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وكذلك الوعد لا ينافي الوعيد، فقوله «أتيتك بقرابها مغفرة» هذا وعدٌ من الله - عز وجل - لمن حقَّقَ التوحيد لا يُشْرِكُ بالله شيئا، وكون صاحب الكبيرة تحت المشيئة لا يُعَارِضُ هذا الأصل؛ لأنَّ هذا والوعد والوعيد يُطلقان ويكونان على إطلاقهما، وكذلك يجتمعان في حق المعين، فيجتمع في حق المعين الوعد والوعيد، وهذا في حق مرتكب الكبيرة، ويدخُلُ في عموم أهل الإيمان الذين وعدهم الله - عز وجل - بالجنة، كل مؤمن وعَدَهُ الله - عز وجل - بالجنة، يدخل في المسلمين الذين جعل الله - عز وجل - لهم مغفرة وأجرا عظيما كما في آية الأحزاب {الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35] ونحو ذلك.
فأهل السنة والجماعة في مثل هذه الأدلة التي فيها الوعد وفيها الوعيد، يُعمِلُونَ الوعد ويُعمِلُونَ الوعيد والوعد بشرطه والوعيد أيضا بشرطه، فلا مُنافاةَ ما بين الأدلة بل الأدلة يُصدِّق بعضها بعضا.
س[2]/ رحمه الله ما الضابط في التفريق بين الفعل والصفة في صفات الله - عز وجل - وأفعاله؟
ج/ رحمه الله صفة الرب - جل جلاله - مُشتملة على فِعلٍ له سبحانه وتعالى ومُشتملة على ما هو لازِمٌ من غير الفعل؛ يعني أنَّ صفات الرب - جل جلاله - منها ما هو صِفَةُ فعل ومنها ما هو صفة ذات، فليست كلها متعدية تَعَدِّي الأفعال.
فمثلا وجه الرّب - جل جلاله - صفة وليس بفعل، اليدان للرب - جل جلاله - وصف له سبحانه وليستا باسْمٍ ولا فعل.
فإذاً الفعل هو فِعْلٌ يفعله الله - عز وجل - له أثره، فالصفات منها ما هو صفة فعلٍ مثل الرحمة وهي صفة ذات لكن لها أثرها ومثل النزول وأشباهه والغضب الرضا، وهذا يتعلق بالمخلوق، فيفعله - عز وجل - ويتصف به سبحانه وتعالى.
وهناك القسم الآخر التي هي صفات الذات، صفات الذات كثيرة لا علاقة لها بالأفعال.
فإذاً نقول: ليست كل صفة لله - عز وجل - فِعْلاً، فقد تكون متعلِّقَة بفعل أو لها فعل أو أثرُها فيه فعل، وقد لا يكون ذلك، ولهذا لا يُشْتَقُ من الصفة فِعْلْ مُطْلَقَاً، كما أنه لا يُشتق من الفعل صفة مطلقاً، وذلك أنّ الأفعال أوسع في باب وصف الله - عز وجل - من الصفات، فقد يكون ثَمَّ فعل لله - عز وجل - ولا نشْتَقُ منه صفةً؛ يعني لا نشتق من الحدث المُسْتَكِنّْ في الفعل صفة لله - عز وجل -.
مثلاً الأفعال المنقسمة إلى محمود ومذموم مثل المكر {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] ، ومثل {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ، ومثل {مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:14-15] ، ونحو ذلك من الأسماء نشتق منها صفات مُطْلَقَاً [2] ، ونقول الفعل أُطْلِقَ على الله - عز وجل - فنقول له صفة الاستهزاء، له صفة المخادع، له صفة المكر، وهكذا، بل تُطْلَقْ هذه الصفات مُقَيَّدَة لأنَّ المكر والمخادعة والاستهزاء ليست كمالاً في كل حال؛ بل قد تكون كمالاً، وقد تكون نقصاً، فتكون كمالاً إذا كانت بحق، ومن آثار صفات الكمال الأخّرْ، وتكون نقصاً إذا كانت بباطل، وكانت من آثار صفات النقص في المخلوق.
فإذاً باب الأفعال أوسع من باب الصفات، وليس كل فعل نشتق منه صفة لله - عز وجل -، وليست كل صفة نشتق منها الفعل لله - عز وجل -؛ لأن الصفات منها ما هو صفة ذات ومنها ما هو صفة فعل.
نكتفي بهذا. [1] مسلم (2687) [2] - لعل مراد الشيخ (ونحو ذلك من الأفعال لا نشتق منها صفات مطلقاً)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 439