اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 337
[المسألة الثانية] :
الذين جادلوا في القرآن في هذه الأمة، أمَّةْ الإجابة كثيرون.
فكل طوائف الضلال ممن لم يستسلم لنص القرآن والسنة فإنه جادَلَ في القرآن.
وذلك أنهم أسَّسُوا مذاهب لهم واعتقادات، فإذا جاءهم الدليل من القرآن على خلاف ما أَلِفُوا أو ما هَوَوهُ فإنهم يجادلون فيه.
يعني يَرُدُّونَ حُجَّةَ الله - عز وجل - التي في القرآن ويأتون بآية تضرب هذه الآية.
والنبي صلى الله عليه وسلم أتى بعض الصحابة- وهم يتجادلون في القرآن فغضب كما ذكرنا لك.
فالتأدب مع القرآن أن يكون الإيراد به -يعني إيراد الدليل به- فإن اختلفت الأدلة وَجَبَ رد المتشابه إلى المحكم.
فالقرآن حَقٌ كله لا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضَاً؛ بل بعضه يدل على بعض.
1- فالقرآن مُحْكَمٌ كُلَّهُ:
جعله الله مُحْكَمَاً كما قال {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:[1]] ، وكما قال - عز وجل - {يس [1] وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس:[1]-2] ، حكيم يعني المُحْكَمْ في أحد أوجه تفسير {الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} .
2- وكذلك القرآن مع كونه مُحْكَمَاً فإنه أيضاً متشابه؛ متشابه كله:
فالقرآن مُحْكَمٌ كله وأيضاً هو متشابِهٌ كله؛ لأنَّ بَعْضَهُ يشبه بعضاً.
متشابه يعني يُشْبِهُ بَعْضُهُ بعضاً، وذلك لقوله - عز وجل - الله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر:23] ، يعني يشبه بعضه بعضاً؛ هذه آية في صفات الله وهذه آية في صفات الله، هذه آيات في تقرير التوحيد -توحيد الربوبية توحيد الألوهية- وهذه آيات من مثلها، وهذه آيات في الحِجاج مع المشركين، وهذه آيات في الحجاج مع المشركين، هذه آيات في قصص الأنبياء وهذه آيات في قصص الأنبياء، ونحو ذلك من المعاني.
فهو متشابه، موضوعاته متشابهة مع اختلاف الآيات في ذلك.
3 - أن القرآن مُحْكَمٌ بعضه:
يعني بعض آياته مُحْكَمَة، ومنه ما هو متشابه.
وهذا هو المَعْنِيْ في قوله سبحانه في أول سورة آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} لاحظ قوله {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} يعني أنَّ بعضاً منه آيات محكمات {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} يعني يُرْجَعُ إليها في تفسير الكتاب {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7] ، وقوله {أُخَرُ} يدل على قلة المتشابه بالنسبة إلى المحكم.
فإذاً أقسام القرآن ثلاثة:
1- محكم كله.
2- متشابه كله.
3- منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه.
وكلٌ من هذه الأقسام دلَّتْ عليها آية أو آيات من القرآن العظيم.
المحكم والمتشابه الذي هو الأخير:
عُرِّفَ المُحْكَمْ بأنه: ما اتضحت دلالته.
وهو يختلف عن المَبَيَّنْ عند الأصوليين -يعني المجمل والمبين-؛ لأنَّ ذاك من عوارض الألفاظ يعني ما اتضحت دلالة لفظه وهذا ما اتضحت دلالة الآية في معناه.
والثاني المتشابه: وهو ما اشتبهت دلالته.
والمتشابه للعلماء في تفسيره وبيان نوعه أقوال كثيرة.
لكن المُحَقَّقْ عند أهل السنة والجماعة أنَّ المتشابه في القرآن إنما هو متشابه على من نُزِّلَ عليه.
متشابه على بعض هذه الأمّة.
أما المتشابه الكلي بحيث إنه يوجد في القرآن ما لا يُعَلَمُ معناه ولا يُعْلَمُ تأويله مطلقاً لِكُلِّ الأمة، فإنَّ هذا ممتنِع؛ لأنَّ القرآن جاء بلسان عربي مبين.
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما ساقه ابن كثير وغيره في (أنَّ من القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله) -يعني لا أحد يعلم تأويله-، فيريد به نوعاً من التأويل والتفسير.
فالمتشابه مُتَشَابِهٌ نسبي.
المُتَشَابِهْ الكلي: آية لا أحد يعلم معناها لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا العلماء إلى وقتنا الحاضر، فهذا ممتنع.
حتى الأحرف المقطعة فإنَّ دلالتها عَلِمَهَا بعض هذه الأمة.
وأما المشتبه النسبي، اشْتَبَهَ عليّ، اشتبه على من هو أعظم وأجل، على بعض الصحابة، فهذا موجود.
أبو بكر رضي الله عنه سأل عن الأب ما (الأب) ؟ ثم قال (أيّ سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) [1] .
عمر رضي الله عنه سأل الصحابة عن بعض الآيات.
وابن عباس خَفِيَ عليه بعض الآيات وسأل عنها وهكذا.
فالمتشابه النسبي الذي يشتبه معناه، تشتبه دلالته، إما لعدم معرفة معنى اللفظ أو لمعارضة آية لها أخرى تحتاج إلى تَأَمُلْ، فإنَّ هذا يكون نسبياً.
مثل ما سئل ابن عباس أنَّ الله - عز وجل - أخبر أنَّ الناس في يوم القيامة يُوقَفُونَ فَيُسْأَلُونْ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] وفي آيات أُخَرْ أَخْبَرَ الله - عز وجل - أنهم لا ينطقون ولا يُسْأَلُونْ ونحو ذلك، فكيف يُجمع بينهما؟
هذا متشابه، يعني آيات يَشْتَبِه معناها فيجب رَدُّهَا إلى المحكم.
هذا النوع الثالث المحكم والمتشابه هو الذي تكون فيه المجادلة التي نَهَى عنها الطحاوي هنا ونهى عنها أئمة أهل السنة جميعاً، المجادلة في القرآن. [1] سبق ذكره (149)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 337