اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 269
[المسألة الأولى] :
أنَّ العرش حق لأنَّ الله - عز وجل - ذكره في كتابه في آيات كثيرة فقال - عز وجل - {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] ، ووَصَفَ العرش بأنه عظيم، فقال {رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ} [1] ووصف عرشه - عز وجل - بأنه مجيد، ووصف عرشه بأنه يُحْمَلْ فقال سبحانه {الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر:7] ، ووصف عرشه أيضا بأنَّهُ يستوي عليه - عز وجل -، وأنَّ عرشه - جل جلاله - موصوف بصفات العظمة التي فاق بها سائر العروش.
فإذاً وُصِفَ بهذه الصفات، وجاء في السنة مزيد في وصفه بأنَّ العرش له قوائم تحمله الملائكة، كما قال عليه الصلاة والسلام «يُصعق الناس فأكون أول من يُفيق، فإذا بموسى باطشٌ -أو قال آخذٌ- بقائمة من قوائم العرش» [2] .
فالعرش إذاً مخلوق من مخلوقات الله - عز وجل - العظيمة، ومن عِظَمِهْ أنه قال فيه صلى الله عليه وسلم «مثل السموات السبع للعرش كمثل حلقة ألقيت في فلاة ومثل الكرسي للعرش كذلك» [3] يعني كحلقة ألقيت في فلاة وهذا الحديث صححه وقواه جمع من أهل العلم، وروي من طرق كما ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله والبحث يقتضي ذلك.
وصْفُ العرش في النص جاء بأنه مجيد؛ يعني أنه ذو سَعَةْ، وأنه ذو جمال، وجاء بأنه عظيم؛ يعني أنه أعظم من غيره، وجاء في وصف العرش أنه كريم؛ يعني أنه فاق جنس العروش والمخلوقات في البهاء والحُسْنِ والعظمة؛ لأنَّ لفظ كريم في اللغة تعني أنه فاق غيره في الأوصاف التي يُحْمَدُ فيها، فقول العرب للإنسان الجواد الذي يبذل الندى ويبذل الطعام للأضياف أنه كريم داخلٌ في قاعدةٍ كبيرة في معنى كلمة كريم في لغة العرب.
ولهذا من فاق غيره في الأوصاف فإنه كريم، ومن أسماء الله - عز وجل - الكريم الذي بلغ المنتهى في علو صفاته وحُسْنِ أسمائه بحيث لا يشابهه ولا يماثله شيء فيما وُصِفَ به - جل جلاله -، ووُصِفَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كريم لذلك؛ بل وُصِفَ في القرآن أنَّ النبات كريم لأجل ذلك، فقال سبحانه {أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء:7] ، يعني الأزواج التي تفوق غيرها وجنسها في النضرة والبهاء وما خلقه الله - عز وجل -.
فإذاً يقتضي وصف العرش في النص بأنه كريم {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] في الحديث، يقتضي ذلك أنَّ العرش من جنس العروش.
يعني أنَّ له صفة العروش.
يعني أنه عرش على ظاهره لكنه فاقها في جميع الصفات التي توصف بها العروش.
فإذاً هو عرش على الحقيقة ليس على المعنى، هو عرش على الحقيقة، وفاق جنس العروش، والله - عز وجل - في القرآن ذكر العرش، عرش المخلوقين وعرش الملوك في آيات كثيرة فقال مثلا في قصة يوسف عليه السلام {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدَا} [يوسف:100] ، وقال سبحانه في وصف عرش بلقيس قال {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23] ، وقال سبحانه {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل:41] ونحو ذلك.
فإذاً العرش هذا معناه، فيما جاء في الأدلة، وهذا عرش الرحمن، ووُصِفَ في الأدلة في الكتاب والسنة بهذه الأوصاف، وأنَّ العرش يُحْمَلْ، وأنَّ له قوائم، وأنه يُدَار حوله من الملائكة، وأنه مُقَبَّب كالقبة فوق سمواته، كما جاء في الحديث الذي في السنن واعتمد ما دلَّ عليه في جهة العرش أهل العلم لما جاء عن الصحابة في تقوية ذلك بأنَّ عرشه على سمواته هكذا وأشار بيديه مثل القبة، فقال أهل العلم إن العرش مُقَبَبْ.
وكونه مُقَبَبْ لا يعني أنه أصغر كما يدل عليه النظر العقلي، مثل تقبيب سطح الأرض على مستوى النصف فيها فإنه مُقَبَب عليها وهو أعظم منها فكيف بالعرش. [1] التوبة:129، النمل:26. [2] سبق ذكره (115) [3] ابن حبان (361)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 269