اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 174
قال (وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ)
هذه الألفاظ الثلاث -الركن والعضو والأداة-، هذه راجعة إلى الصفات الذاتية يعني مثل اليد، القدم، العينين ومثل الوجه إلى آخره، فهذا ينفي أن يكون هذا عضو أو ركن أو أداة أو نحو ذلك؛ لأنَّ هذه الأشياء في المخلوق فينزّه الرب - عز وجل - عنها، هذا مراده.
وكما ذكرت لك المُقَرَّرْ أنَّ هذه الأشياء لا تُقال لا نفياً ولا إثباتاً؛ بل لا نذكر ذلك؛ لأن الله سبحانه أعظم من أن يُنفى عنه استعمال هذه الألفاظ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .
قال (لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ) .
(الْمُبْتَدَعَاتِ) يعني المخلوقات.
وقوله (كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ) سائر في اللغة تستعمل بمعنى بقية، ولذلك قيل لبقية الشراب سؤر.
فكلمة سائر يعني البقية، تقول مثلا أتاني محمد وسائر الإخوان. يعني وبقية الإخوان.
لكن هنا استعملها بمعنى (كل) (كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ) يعني ككل المخلوقات.
المخلوقات تحويها الجهات الست.
(لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ) الجهات الست ما هي عندهم؟
الجهات الست أمام وخلف ويمين وشمال وأعلى وأسفل.
هذه الجهات الست مخلوقة، وهذه المخلوقة لا تحوي الرب - جل جلاله -؛ بل الله ـ فوق مخلوقاته.
لكن ما من مخلوق من هذه الجهات الست إلا وهو نسبي إضافي ليس مطلقاً.
فما من شيء إلا وأمامه شيء، وهو أمام شيء، وهو يمين شيء وثَم شيء آخر يمين، وهكذا.
مثل ما نقول: نحن الآن أسفل -يعني في أرض المسجد-؛ لكن بالنسبة لمن تحتنا -في الْقَبُوْ مثلا إذا كان فيه قَبُوْ- نحن فوق مثلاً، واحد ساكن في أدوار الدور الأول فوق الدور الأرضي فهو أعلى؛ لكن هو بالنسبة للدور الثاني أسفل.
إذاً الجهات هذه ليست مطلقة، وإنما هي نسبية.
فتقول: يمين، ليس ثَمَّ يمين مطلق في حياة المخلوقات وإنما هو يمين إضافي.
لا تقل شمال مطلق إنما هو شمال إضافي.
أمام مطلق إنما هو أمام إضافي؛ يعني نسبي تَنْسُبُه إليك وتَنْسِبُه إليك.
تقول أمامي، أمام فلان، يمين فلان إلى آخره.
ولهذا الجهة -جهة العلو- إذا نسبتها للمخلوق فثَمَّ جهة لنا هي حال وثَمَّ جهة لمن هم في الجهة الثانية من الأرض هي لها حال أخرى، فنحن جهة العلو عندنا فوق، وجهة السُّفل هم، وهم بالعكس يعني الذين في الجهة الثانية من الأرض.
إذاً فجهة العلو وجهة السُّفل هذه نسبية لك، تقول: هذا أعلى، ليس هذا هو العلو المطلق
هذا العلو المنسوب إليك.
والذي في الجهة الثانية من الكرة الأرضية العلو هو المنسوب إليه.
فإذن هذه أمور نسبية في الجهات.
فإذا أردت المطلق فثَمَّ شيء واحد فقط وهو العلو المطلق على جميع المخلوقات، غير منسوب لطائفة من المخلوقات أو لبعض المخلوقات، وهو علو الرب جل جلاله.
* إذاً فنقول: هذه الجهات الست إذا أريد بها النسبي، فنقول نعم الله سبحانه وتعالى لا تحويه الجهات النسبية؛ يميني وفوقي وأمامي وشمالي وإلى آخره، لا تحويه.
لكن المطلق لا نقول تحوي ولا ما تحوي؛ لأنَّ الله سبحانه فوق مخلوقاته، والمخلوقات هذه محتاجة إليه، لكن له العلو المطلق، هو سبحانه - عز وجل - كلتا يديه يمين، اليمين المطلق ليس النسبي، وهو سبحانه وسع كل شيء، واسع ـ.
فإذاً تنتبه إلى أنَّ هذه المخلوقات نسبية وليست مطلقة.
فإذاً قوله (لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ) ليس في هذا مَنْحَى من منحى أهل البدع في نفي العلو، لا؛ لكن هذه يعني بها الجهات الست النسبية كسائر المخلوقات.
كل مخلوق لابد أن يكون محصور بهذه الجهات؛ يعني أعلى أسفل يمين شمال والثاني كذلك والثالث كذلك.
وهذه مسألة مهمة تفيدك في كل ما يوصف الرب - عز وجل - به لا تقسه بالمخلوق؛ اجعله مطلقاً.
مثل الآن مسألة النزول «ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر [1] » أو «في النصف الآخر من الليل» أو «آخر كل ليلة» على اختلاف الروايات والألفاظ.
هذه ثلث الليل هل هو منسوب لك أو منسوب للزمان المطلق؟
هنا ننسبه للزمان المطلق، الذي يدخل فيه الزمان النسبي بالنسبة للمخلوق الواحد.
كذلك جهة العلو أنت تدعو ربك - عز وجل - إلى أعلى، ونعلم أنه فوقنا ـ، ومن هو في الجهة الثانية هو فوقه أيضا وهو في جهة أخرى، نحن مثلا نتجه كذا وهو في الجهة الثانية من الأرض يتجه عكس الاتجاه، أليس كذلك؟
لكن هذا علو نسبي وهذا علو نسبي.
وإذا أردت العلو المطلق فتأمل قول الله - عز وجل - {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67] ، وتأمل أنَّ السموات السبع الأرض بالنسبة لها صغيرة، والسموات السبع بالنسبة للكرسي صغيرة، والكرسي بالنسبة للعرش أيضا كحلقة ألقيت في ترس صغير.
فإذاً كلها تتلاشى، ويبقى الإطلاق في الزمان وفي المكان بما يجعل معه أنَّ تَصَوُّرْ العبد لما يوصف الله - عز وجل - به نسبياً يجني على نفسه ويدخل في النفي أو التشبيه.
فيجب أن يكون ما يؤمن به الموحد من صفات الله - عز وجل - على ما جاء في الكتاب والسنة، وكل ما جاء هو على الإطلاق، لا على ما تعرفه أنت من نفسك.
والإطلاق اللائق بالله - عز وجل - يدخل فيه ما يختص بالمعيَّن من المخلوقين، تبارك ربنا وتعاظم وتقدس ـ وسع كل شيء رحمة وعلماً، وكان الله بكل شيء محيطا جل جلاله وتقدّست أسماؤه.
نقف عند هذا والأسبوع القدم إن شاء الله من قوله (وَالمِعْرَاجُ حقٌّ) .
وأسأل الله سبحانه أن ينفعنا وإياكم في هذه العقيدة، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن. [1] البخاري (1145) / مسلم (1808)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 174