اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 168
[المسألة الثالثة] :
التشبيه مراتب أيضا:
1 - فالمرتبة الأولى التشبيه الكامل وهو المساوي للتمثيل:
يعني أن يقول يده كيدي، كقول المجسمة والعياذ بالله، وصورته كصورتي والعياذ بالله، وأشباه ذلك، فهذا تشبيه كامل؛ يعني شَبَّهَ الله - عز وجل - بالمخلوق من جهة الصفة في الكيفية وفي المعنى.
وهذا كفر بالله - عز وجل - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} والمُشَبِّهُ يَعْبُدُ صَنَماً، الممثل يَعْبُدُ صنماً.
فهو تَخَيَّلَ في نفسه صورة للرب - عز وجل - فجَعَلَهَا عليه.
وهذا كما قلنا لكم لا يمكن أن يكون لله - عز وجل - في ذاته وصفاته شيء يَتَخَيَلُهُ العبد أو يتصوره؛ لأنَّهُ كل ما خطر ببالك فالله - عز وجل - بخلافه، كل ما جاء في بالك فالله ـ بخلافه.
لأنَّ المعرفة واستقبال المعارف والإدراكات في الإنسان ستأتي شيئاً فشيئاً.
وهو أصلاً جاء من غير إدراك.
والله - عز وجل - جعل له السمع والبصر والفؤاد ليدرك.
فإذاً كل المُدْرَكَات في الإنسان مَجْلُوبَةٌ له من واقع ما رَأَى، ومن واقع ما سمع، أو من واقع ما قارن.
والشيء الذي لم يره ولم يسمعه وليس ثَمَّ ما يُقَارَنُ به، فكيف تحصل له معرفته؟
ولذلك تجد أنَّ الإنسان لا يمكن أنْ يَتَصَوَرْ شيء ما رآه أو رأى مثيلاً له أو رأى ما يُقَاسُ عليه؛ ما يجتمع هو وإياه في أشياء.
ما يمكن أن يتصوَّرَ شيء لم يره أصلاً أو لم ير مثيلا له.
لكن لو رأى ما يُقَاسُ عليه ممكن، لو رأى مثيلاً له ممكن.
مثلا تقول الإنسان الياباني مختلف في صورته عنَّا لكن يبقى التَخَيُّلْ العام عندك أنه ما دام أنه إنسان فهو على هذه الصفة.
تقول مثلا الخبز في بلدٍ له شكل غريب، أنت لا تتصور هذا الشكل لكن تعرف الخبز ما هو من حيث الصفة؛ لأنك تعرف أنَّ ذاك سيكون في مادته مشابِهَاً لهذا الذي عرفته.
لو ذُكر لك شيء غريب، مثلا في بلد من البلاد رأينا بناءً عجيباً جداً، ممكن أن تتصور البناء على نحو ما إذا كنت رأيت شبيهاً له أو ما يقاس عليه؛ أو مُرَكَّبَات هذا البناء وطريقة البناء وأنه أَدْوَار مثلاً.
مَثَلَاً: شُرِحَ لك عن الأهرامات من صفتها كذا وكذا، يمكن أن تتصور لأنَّكَ رأيت مثيلاً له، رأيت ما يُقَاسُ عليه، رأيت ما يمكن أن تُعْقَدَ مقارنة فتصل على نوع إدراكٍ لذلك.
أما الرب - عز وجل - وتقدست أسماؤه وصفاته فلا يقاس بخلقه ولم يُرَ مثيلاً له - عز وجل - ولا يُقَارَنْ بشيء، ولذلك كل ما يخطر في البال إنما هو من جَرَّاءِ إدراكات مختلفة لا يمكن أن يكون منها حقيقة الرب - عز وجل -.
ولهذا كل ما خطر في بالك فالله - عز وجل - بخلافه، فإذا استرسل مع هذا وشَبَّهْ فإنّه يعبد صنماً.
يعني تَخَيَّلَ في نفسه صورة وهيأ له إلهاً يكون على نحو ما فَعَبَدَهُ.
ولهذا قال أئمة السلف (المشبه يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً) .
هذا التشبيه الكامل هو التّمثيل
وهذا التمثيل أو التشبيه:
- قد يكون في الذات بأجمعها.
- وقد يكون في صفة من الصفات.
قد يقول: الله ـ مثلي، على صفتِي -والعياذ بالله- وهذا كفر.
أو يقول: يده كَيَدي، وسمعه كسمعي، وعينه كعيني وأشباه ذلك وهذا أيضا كفر بالله - عز وجل -.
2 - المرتبة الثانية التشبيه في بعض الصفة، لا في الكيفية ولكن في المعنى:
فيقول: الكيفية لا نعلمها لكن معنى الصفة في الله - عز وجل - هو معناها في المخلوق.
وهذا أيضاً مما ينبغي تَجَنُّبُه؛ لأنَّ صفة الرب - عز وجل - معناها في حقه كامل لا يعتريه نقص من وجه من الوجوه، وأما في المخلوق فهو فيه الصفة ولكنها ناقصة تناسب نقص ذاته.
ولهذا يقال في مثل هذا: إنَّ الله - عز وجل - له الكمال المطلق في صفة السمع، والمخلوق متصف بالسمع، أو تقول لله - عز وجل - سمع وللمخلوق سمع وليس السمع كالسمع؛ يعني في أصل المعنى موجودٌ سمع وسمع؛ لكن في تمام المعنى وكماله مختلف ليس الاتصاف في الله - عز وجل - مثل الاتصاف في المخلوق.
3 - المرتبة الثالثة تشبيه العكس وهو تشبيه المخلوق بالخالق والعياذ بالله:
وتشبيه المخلوق بالخالق، يعني أن يَجْعَلَ للمخلوق صفة من صفات الله - عز وجل -.
مثل أن يُغِيثْ أو أنَّهُ يسمع وهو غائب، أو أنَّ له قدرة أو أنَّ له تصرف في الكون أو أشباه ذلك.
وهذا كحال عُبَّاد الأصنام والأوثان والقبور وعُبَّاد عيسى والملائكة وعُبَّادْ الأولياء، كلهم على هذه الصفة، يجعلون للمخلوق بعض صفات الله - عز وجل -.
وهذا لاشك أنه تشبيه وهو في حد ذاته من جهة التشبيه كفر لمن اعتقده.
فمن وَصَفَ المخلوق بصفة الله - عز وجل - من تصريف الكون أو يقولون فلان من الأولياء له ربع الكون يتصرّف فيه أوله نصف الكون يتصرف فيه، أو فلان المَلَكْ له التَّصَرُّفْ في الملكوت بنفسه فَيُطْلَبْ منه ويُسْتَغَاثْ به ويُسْأَلْ أو يُلْجَأْ إليه ونحو ذلك، من الأموات أو من الغائبين.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 168