اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 662
هل الاستنساخ نفخ للروح، وخلق كخلق الله؟!
ƒـ[أنا شاب تونسي، ملتزم، والحمد لله، أحافظ على صلواتي، لي أخي يكبرني بعامين لا يصلي، وبعيد عن الله، كما لديه فكر غربي، لا يأبه بتعاليم الإسلام، يظن نفسه متفتحاً، يعني لا مانع أن يذهب مع البنات، لا يجد حرجاً في قلة أدب سلوكه، وكنت كثير التخاصم معه خاصة في الأمور الدينية، حيث إنه جاهل بالدين بطريقة غريبة، يريد أن يردد دائما الشبهات حول الإسلام، في الآونة الأخيرة حلت الكارثة: دخل علينا بفلسفة كافرة، فاسقة، قال: " إن الله هو الخالق وحده، يخلق الكائنات الحية لأنه يبعث فيها الروح، والآن استطاع العلماء الخلق! وذلك بالاستنساخ، وبما أن الله هو الذي انفرد ببعث الروح: فقد تمكن العلماء من مضاهاته يوم بعثوا الروح عندما خلقوا بالاستنساخ ". خلاصة القول: هل فعلاً تمكن العلماء من الخلق بالاستنساخ وبعثوا الروح؟ ما الاستنساخ؟ هل هو حقيقة صنع منها البشر كائنات حية؟ نحن نعلم أن الله فقط يبعث الروح، بالله عليكم ردوا عليَّ حتى أستطيع أن أُفهمه ما هو الإستنساخ، حيث إنه يظن أنه خلق للكائنات، وبعث الروح فيها، كما خلق الله الكائنات، كما إنه يلمح من كلامه عدم وجود الله - والعياذ بالله - ولقد كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لديه صديق يحمل نفس فكره الكافر، أريد نصحه، أجيبونا، يرحمكم الله.]ـ
^الحمد لله
أولاً:
كنا قد فصلنا القول في " الاستنساخ " وبينا حكمه في جواب السؤال رقم: (21582) ، فلينظر، فلا داعي لتكرار الكلام من غير حاجة.
وننبه هنا: إلى أنه يجب عليك الاطمئنان بأن اعتقاد المسلم أنه لا خالق إلا الله تعالى: هو اعتقاد صحيح، ليس ثمة ما يناقضه، وليس له صور استثنائية؛ فالروح من أمر الله، ولا يجعلها أحدٌ في شيء إلا أن يأذن الله تعالى، كما فعل عيسى عليه السلام فيما صنعه من الطين كهيئة الطير، وكما فعله جبريل عليه السلام حين نفخ في درع مريم عليها السلام.
أ. قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة/ 110.
فالبشر يستطيعون نحت تمثال يشبه في صورته – وليس حقيقته – البشر، ويستطيعون صناعة صورة طير من الطين، أو الجص – وهو فعل محرَّم - ولكن هل يستطيع أحدٌ أن يحيي هذا الذي صنعه، أو نحته؟! الجواب: يعرفه كل مخلوق على وجه الأرض، وحتى من كان ملحداً منهم، وهذا هو زعيم الملحدين " لينين " قد حنَّطه قومه، ولم يدفنوه – توفي سنة 1924 م - فهل يستطيع ملحدو العالَم كله أن يحيوه بعد أن أماته ربُّه؟! إنهم أعجز من ذلك، فلا يستطيع الواحد منهم منع ذبابة أن تحط على أنفه، ولا بعوضة أن تمص دماً من صلعته! فأنَّى لهم دفع الأمراض عن أنفسهم، فضلاً عن الهروب من الموت، فضلاً عما هو أعظم من ذلك أن يحيوا الأموات؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان أوجه عبودية المسيح وأنه مخلوق لا خالق -:
الوجه الثاني: أنه خَلق من الطين كهيئة الطير، والمراد به: تصويره بصورة الطير، وهذا الخلق يقدِر عليه عامة الناس، فإنه يمكن أحدهم أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير، وغير الطير من الحيوانات، ولكن هذا التصوير محرَّم، بخلاف تصوير المسيح؛ فإن الله أذن له فيه، والمعجزة أنه يَنفخ فيه الروح فيصير طيراً بإذن الله عز وجل، ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين؛ فإن هذا مشترك، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصوِّرين، وقال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) .
الوجه الثالث: أن الله أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى، وأخبر المسيح عليه السلام أنه فعله بإذن الله، وأخبر الله أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه السلام كما قال تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) .
" الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (4 / 46، 47) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20011) .
ثانيا:
قد بيَّن الله تعالى بياناً شافياً، وتحدَّى تحديّاً بليغاً كلَّ الخلق، والآلهةَ المزعومة: في الخلق من العدم، والإحياء، والإماتة، والبعث، فقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/ 40.
ال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) : يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ اتَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين.
" أضواء البيان " (6 / 271) .
ثالثا:
الخبراء في " الاستنساخ " من أهل الفن يعلمون أنه ليس هو إخراج حي من ميت، فضلاً أن يكون إحياء من عدم، بل إن الاستنساخ من ميت أمر مبتوت فيه عندهم أنه لن يكون! ، والمصطلح المستعمل فيه يدل على هذا، فكلمة نسخ، أو استنساخ هي: clone)) ، (cloning) ، وهي تعني: إنشاء صورة طبق الأصل من المادة المراد نسخها! .
فليسمع أخوك، وليقرأ هذه النقولات:
1. ذكر الدكتور " سينوت حليم دوس " - أستاذ ورئيس قسم الهرمونات بالمركز القومي للبحوث - في كتابه " استنساخ الإنسان حيّاً وميتاً " - نشر المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى - في الفصل التاسع الذي سماه: " هل يستنسخ الإنسانُ ميتاً؟ " محاولات للاستنساخ من جثة فرعون! وغير ذلك، ثم وصل إلى نتيجة مهمة سطرها بالكلمات الآتية، قال:
" وفي الوقت الراهن أقرر: أن استنساخ الميت: حلم لن يتحقق مطلقاً "، ثم قال:
" وإلى الله ترجع الأمور ".
(ص 59، 60) من كتابه.
2. كما قال في الكتاب نفسه في الفصل الثامن وهو " هل يمكن استنساخ الإنسان حيّاً؟ ":
إن الاستنساخ في حقيقته عملية تمجد الخالق، وتجري في الكثير من المعامل الطبية للكشف عن الفيروس الكبدي ... وهو حقّاً عملية إبداع الخالق، تمجد الخالق فيما خلق، ونستعير عبارة قالها الكيميائي العربي جابر بن حيان " لكي تصنع الذهب: عليك أن تبدأ بالذهب " لنقول: " لكي تعيد تشكيل خلية حية: عليك أن تبدأ بخلية حية متمثلة فيها الحياة التي يتمتع بها الحمض النووي.
(ص 53) .
3. وقال رياض أحمد عودة الله في كتابه: " الاستنساخ في ميزان الإسلام " - دار أسامة للنشر – الطبعة الأولى - صفحة 148 و 149:
فالقول إن الاستنساخ خَلْق: أمرٌ منقوض من الوجهة النقلية الشرعية بنص القرآن الكريم والسنَّة النبوية، ومنقوض كذلك من الوجهة العلمية البحتة.
ثم قال:
والاستنساخ - كما هو مشاهد وملموس - ليس إيجاداً من عدم، بل إن المكونات الأساسية مخلوقة، وموجودة.
انتهى
4. وقال كامل محمد صالح العجلوني في كتابه: " الاستنساخ بين العلم والأديان والمعتقدات " - مطبعة الأجيال في صفحة (64) من كتابه هذا -:
" والواقع الذي ينبغي معرفته أولاً هو: أن الاستنساخ ليس خلْقاً، أو إيجاداً من العدم؛ لأن الخلق على هذا النحو إنما ينفرد به الله عز وجل، فهو الخالق.
ثم قال:
وقد تحدى الله تعالى جميع الناس بهذا الإبداع، أو الخلق، والتكوين لأصغر الأشياء، وأدقها، فقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون ... ) .
انتهى
5. وقالت هناء نزار انشاصي في كتابها " الاستنساخ بين الحقيقة والخيال " - دار الفكر الطبعة الأولى في صفحة (132) :
" فالاستنساخ ليس تخليقاً، وإنما هو عملية دمج لنواة خلية موجودة وحية، مع نواة مفرغة لتكوين موجودات متشابهة.
انتهى.
والخلاصة:
هذا اعتقاد المسلمين في الخلق، والإحياء، وليس بينهم اختلاف في هذا، وقد قهر الله تعالى الناس بالموت، وتحداهم بأن يخلقوا شيئاً من عدم فعجزوا، واعترف كل عاقل بضعفه، وعجزه، فلم يبق إلا المجادلة بالباطل، ولذا فننصحك بتأمل ما ذكرناه، وفهمه على وجهه الصحيح، مع النظر بحقيقة الاستنساخ، لتعلم بعد أن ذلك أن ما وقع من أخيك ما هو إلا كلام في الهواء، ليس له أساس، ولا قرار، فداوم على نصحه بالتي هي أحسن، وخصَّه بدعوة في آخر الليل، عسى الله أن يتقبل منك، ويهديه لما فيه رضاه.
والله أعلم
‰موقع الإسلام سؤال وجواب
اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 662