الفصلُ الثَّانِي دِلَالَاتُ خَوَارِقِ العَادَاتِ
ظهرت بعض خَوَارِقِ العادات على يد بعض من ادَّعَوا المهدية، الذين وظَّفوها للترويج لدعواهم، وبالتالي انساق وراءهم كثير من العوام، وبعض الخواص، فنشأ عن ذلك كثير من الفتن، من أخطرها ادِّعَاءُ أو نسبة أولئك إلى العصمة، الأمر الذي يترتب عليه طاعة عمياء في كل ما يأمرونهم به، مما يُعَدُّ تعديًا صريحًا على مصادر التلقي، والمرجعية الشرعية.
وخَرقُ العَادَةِ أَنوَاعٌ ([1]):
1 - إذا جرى على يد نبيٍّ، فهو المعجزة [2] التي يُقصد بها إظهارُ صِدْقِ مَن [1] انظر: "الموسوعة الفقهية" (34/ 216 - 221). [2] عبَّر القرآن الكريم عما أيَّد الله -تعالى- به الأنبياء من أجل إيمان الناس بهم بالآيات، وسماها علماء الإسلام "دلائل النبوة" و"أعلام النبوة" -انظر: "الجواب الصحيح" لابن تيمية (5/ 412) - بينما اصطلح المتكلمون على تسميتها معجزات، والمعجزة لغةً: ما يُعجزُ الخصمَ عند التحدي.
واعلم -وفقك الله- أن جعل خرق العادة "حدًّا" لمعجزات الأنبياء غير صحيح، فالذين سموا الآيات خوارق للعادات وعجائب ومعجزات -إذا جعلوا ذلك شرطًا فيها، وصفة لازمة لها؛ بحيث لا تكون الآيات إلا كذلك- فهذا صحيح، وأما إذا جعلوا ذلك حَدًّا لها وضابطًا، فلا بد أن يقيدوا كلامهم، مثل أن يقولوا: "خوارق العادات التي تختص بالأنبياء"، ويقولوا: "خوارق عادات الناس كلهم غير الأنبياء"، فإن آياتهم لا بد أن تخرق عادة كل أمة من الأمم، ولهذا لم يكن في كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وسلف الأئمة وأئمتها وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة، ولا يجوز أن يُجعل مجرد خرق العادة هو الدليل، فإن هذا لا ضابط له، وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فإذا أتى مدعي النبوة بالأمر الخارق للعادة الذي لا يكون إلا لنبي لا يصلح مثله لساحر ولا لكاهن ولا لغيرهما، كان دليلًا على نبوته". اهـ. من "ثبوت النبوات" ص (167).
وقال -رحمه اللَّه- أيضًا: "فلا بد في آيات الأنبياء من أن تكون مع كونها خارقًا للعادة أمرًا غير معتاد لغير الأنبياء، بحيث لا يقدر عليه إلا الله الذي أرسل الأنبياء، ليس مما يقدر عليه غير الأنيياء =