عليه وسلم- كان بالمدينة رجل يُلْحِد، وآخر يُضَرِّح [1]، فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما، فايهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" [2].
وفيه: أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما استخاروا مضوا في الأمر دون اعتبار لرؤيا أو انشراح الصدر [3]، بل انتظروا ما يسره الله، واختاره، فعملوا به.
* * * [1] اللاحد والضارح: الذي يعمل اللَّحْد، والضَّريح، واللحد: الشق الذي يُعمل في جانب القبر لموضع الميت، لأنه قد أُميل عن وسَط القبر إلى جانبه، والضريح هو القبر، فعيل بمعنى مفعول، من الضَّرْح: الشق في الأرض. [2] أخرجه ابن ماجه (1557)، وسنده حسن كما قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 125) رقم (53)، وانظر: "أحكام الجنائز" للعلامة الألباني ص (183). [3] إذ لا دليل أيضًا على انشراح الصدر، وقد ينشرح الصدر لهوًى في النفس داخَلَها قبل الاستخارة، قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "يفعل ما اتفق"، نقله عنه الحافظ في "الفتح" (14/ 422)، طبعة دار طيبة - الرياض.
وقال ابن الزملكاني -رحمه الله-: "إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر، فليفعل بعدها ما بدا له سواء انشرحت نفسه أم لا، فإن فيه الخير، وإن لم تنشرح له نفسه، قال: وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس". اهـ. من "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 206).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما له فيه هوًى قوي قبل الاستشخارة". اهـ. من "فتح الباري" (14/ 422)، طبعة دار طيبة - الرياض، فالذي ينوي فعل أمرٍ ما، عليه التحري حوله جيدًا، والسؤال عنه، والاستشارة فيه، فإن هَمَّ بفعله استخار فيه متجردًا من كل ميل وهوًى، ثم أقدم عليه، وباشَرَ فِعْلَ ما يريد: فإن كان خيرًا يسره الله، وإن كان شرًّا صرفه الله.