عنده عدلان مشهوران بالعدالة في قضية، فلما نام الحاكم ذكر أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له: "لا تحكم بهذه الشهادة، فإنها باطلة"، فأجاب بأنه:
لا يحل له أن يترك العمل بتلك الشهادة، لأن ذلك إبطال لأحكام الشريعة بالرؤيا، وذلك باطل لا يصح أن يُعتقد، إذ لا يَعلم الغيبَ من ناحيتها إلا الأنبياءُ الذين رؤياهم وحي، ومَن سواهم إنما رؤياهم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
ثم قال: وليس معنى قوله: "من رآني فقد رآني حقًّا" أن كل من رأى في منامه أنه رآه فقد رآه حقيقة، بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا صفاته، وإنما معنى الحديث: من رآني على صورتي التي خُلِقتُ عليها فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي ... "، إلى أن قال الشاطبي -رحمه اللَّه-: "فهذا ما نقل عن ابن رشد، وحاصله يرجع إلى أن المرئي قد يكون غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن اعتقد الرائي أنه هو"، ثم قال: "نعم لا يَحكم بمجرد الرؤيا حتى يعرضَها على العلم، لإمكان اختلاط أحد القسمين بالآخر، وعلى الجملة فلا يَستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المُنَّة [1]، نعم يأتي المرئي تأنيسًا وبشارة ونذارة خاصة، بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكمًا، ولا يبنون عليها أصلًا، وهو الاعتدال في أخذها، حسبما فُهم من الشرع فيها، واللَّه أعلم" اهـ [2].
- وقال الإمام الشاطبي -رحمه اللَّه - تَعَالَى- في سياق الرد على من يحتج بالإلهام والكشف والرؤى المنامية:
(هذه الأمور لا يصح أن تُراعى وتُعتبر؛ إلا بشرط ألَّا تخرم حكمًا شرعيًّا، [1] المُنَّة: القوة، يقال: ليس لقلبه مُنَّة.
(2) "الاعتصام" (1/ 260 - 264) بتصرف.