وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117]. فيقالُ: إنَّ هؤلاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ (1)
(1) [وهم أهل الردة الذين أسلموا في حياته -صلى الله عليه وسلم- ولم يخالط الإيمانُ قلوبهم، فارتدوا بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وقاتلهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أو المراد بهم المنافقون، ونقل النووي عن ابن عبد البر قوله: "كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، من الخوارج والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، المعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الخبر، والله أعلم". اهـ. من "شرح النووي" (3/ 137)، والظاهر أن هؤلاء لا يُجزم بأنهم يذادون عن الحوض لأنهم تحت المشيئة وحكمهم حكم أصحاب الكبائر الذين ماتوا على التوحيد.
ويتضح مما سبق أن المذادين عن الحوض هم القبائل المرتدة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو المنافقون -كما مر- وليسوا صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما زعمت الشيعة الاثنا عشرية. فأحاديث الحوض رواها الصحابة أنفسهم؛ أكثر من خمسين صحابيًّا، فكيف يُعقل أن يرووا من الأحاديث ما يدل على كُفْرِهم وردتهم مع اعتقاد الاثنى عشرية- إلا من شذ منهم- أن الصحابة حذفوا الآيات التي تحدثت عن مثالبهم، فَلِمَ لم يكتموا هذا الحديث، مع عظم ضرره إن كان يعنيهم؟ فدلَّ على أنه ليس المراد بهم أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
قال الخطابي فيما نقله عنه ابن حجر: "ولم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة لهم الدين. [وعند الكرماني: "ممن لا بصيرة له في الدين". "الكواكب الدراري" (17/ 106)]، وذلك لا يوجب قدحًا في الصحابة المشهورين"، ثم قال: "ويدل قوله: (أصيحابي) [كما في حديث أنس المتفق عليه]-بالتصغير- على قلة عددهم". اهـ. "فتح الباري" (11/ 324).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أصيحابي" -بالتصغير- مذكور في العديد من مصنفات الشيعة كما في "مجمع البيان" (1/ 485)، وهي تدل على قلة عدد من ارتد، لا كما تقول الشيعة عن الصحابة: "إنهم ارتدوا جميعًا إلا نفرا يسيرًا".
وقد رد ابن قتيبة استدلالهم بهذه الأحاديث فقال: "إنهم لو تدبروا الحديث وفهموا ألفاظه لاستدلوا على أنه لم يُرِد بذلك إلا القليل، يدلك على ذلك قوله: (ليردن عليَّ الحوض أقوام)، ولو كان أرادهم جميعًا إلا من ذُكروا لقال: لَتَرِدُنَّ عليَّ الحوض، ثم لتختلجُنَّ دوني، ألا ترى أن القائل إذا قال: أتاني اليوم أقوام من بني تميم وأقوام من أهل الكوفة، فإنما يريد قليلًا من كثير، ولو أراد أنهم أتوه إلا نفرًا يسيرًا، قال: أتاني بنو تميم، وأتاني أهل الكوفة، ولم يجز أن يقول: "قوم"، لأن القوم هم الذين تخلفوا، وكذلك أيضا قوله: (يا رب أصيحابي) -بالتصغير- وإنما يريد بذلك تقليل العدد" ... إلى أن يقول: "وقد ارتد بعده أقوام منهم عيينة بن حصن، ارتد، ولحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ" ... إلى أن قال: "ولعيينة بن حصين أشباه ارتدوا حين ارتدت العرب، فمنهم من رجع وحسن إسلامه، ومنهم من ثبت على النفاق". اهـ. من "تاويل مختلف الحديث" ص (158، 159). =