لأنه يجوز عليه الخطأ، واللَّه أعلم" .. إلى أن قال: "وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله [1] - في كتابه "عُجَالَةُ المنتظر في شرح حالِ الخَضِرِ"، للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فَبَيَّنَ أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة، والتابعين ومَن بعدهم، فَبَيَّنَ ضَعْفَ أسانيدها ببيان أحوالها، وجَهَالَةِ رجالِها، وقد أجاد في ذلك، وأحسن الانتقاد" [2].
وقال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه اللَّه-: "والذي تَمِيلُ إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوامُّ من استمرار حياته، لكن ربما عرضت شبهة من جهة كثرة الناقلين للأخبار الدالة على استمراره؛ فَيُقَالُ: هب أن أسانيدها واهية؛ إذ كل طريق منها لا يسلم من سبب يقتضي تضعيفها، فماذا يُصْنَعُ في المجموع؛ فإنه على هذه الصورة قد يلتحق بالتواتر المعنوي الذي مَثَّلُوا له بجود حاتم [3]، فمن هنا مع احتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقائه؛ كآية {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]، وكحديث: "رَأْس مِئَةِ سَنَة" وغير ذلك مما تقدم بيانه.
وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله -صلى اللَّه عليه [1] انظر: "الموضوعات" لابن الجوزي (1/ 193 - 199)، و"الإصابة" (2/ 286 - 335).
(2) "البداية والنهاية" (2/ 263 - 265). [3] أجاب الحافظ نفسُه على هذا الإيراد بقوله: "ولا يقال: يُستفاد من هذه الأخبار التواتر المعنوي؛ لأن التواتر لا يُشترط ثقةُ رجاله ولا عدالتهم، وإنما العمدة على ورود الخبر بعددٍ يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، فإن اتفقت ألفاظه فذاك، وإن اختلفت فمهما اجتمعث فيه فهو التواتر المعنوي، وهذه الحكاية تجتمع في أن الخضر حي، لكن يطرق حكايةَ القطع بحياته قولُ بعضهم: إنَّ لكل زمانٍ خَضِرًا، وإنه نقيبُ الأولياء، وكلما مات نقيبٌ أقيم نقيبٌ بعدَه مكانه، ويُسمى الخضر.
وهذا قول تداولته جماعة من الصوفية من غير نكير بينهم، ولا يقطع مع هذا بأن الذي ينقل عنه أنه الخضر هو صاحبُ موسى؛ بل هو خضِر ذلك الزمان، ويؤيده اختلافهم في صفته، فمنهم من يراه شيخًا أو كهلًا أو شابًّا؛ وهو محمول على تغاير المرئي وزمانه، والله أعلم". اهـ. من "الإصابة (2/ 294)، وانظر ص (255).