فالجواب: أن الأصلَ عدمُ هذا الاحتمالِ البعيد، الذي يَلْزَمُ منه تخصيصُ العموماتِ بمجردِ التوهماتِ، ثم ما الحاملُ له على هذا الاختفاء؟ وظهورُه أعظمُ لأجره، وأعلى في مرتبته، وأظهرُ لمعجزته، ثم لو كان بَاقِيًا بعدَه، لكان تبليغُه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأحاديثَ النبوية، والآياتِ القرآنيةَ، وإنكارُه لما وقع من الأحاديثِ المكذوبة، والرواياتِ المقلوبة، والآراءِ البدعية، والأهواءِ العصبية، وقتالُه مع المسلمين في غزواتهم، وشهودُه جُمَعَهِم وجماعاتِهم، ونفعُه إياهم، ودفعه الضررَ عنهم مِمَّن سواهم، وتسديدُه العلماءَ والحُكَّامَ، وتقريره الأدلةَ والأحكام- أفضلَ مما يُقَالُ من كُنونه [1] في الأمصار، وَجَوْبِهِ الفَيافِيَ والأقطار، واجتماعِه بعُبَّادِ لا يُعْرَفُ أحوالُ كثيرٍ منهم، وجعله لهم كالنقيب المُتَرْجِمِ عنهم.
وهذا الذي ذَكَرْناه لا يتوقف أحد فيه بعد التفهم، واللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم]. انتهى من "البداية والنهاية" [2]، لابن كثير -رحمه اللَّه- تَعَالَى.
فتحصَّلَ أن الأحاديث المرفوعة التي تدل على وجود الْخَضِرِ حيًّا باقيًا لم يثبت منها شيء، وأنه قد دلت الأدلة المذكورة على وفاته، كما قدمنا إيضاحه" [3]. اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى -رحمه اللَّه-:
"وما أبْعَدَ فَهْمَ من يُثْبِتُ وجود الْخَضِرِ -عليه السلام- وينسى ما في طيِّ إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة ... ". ثم قال بعد أن ذكر وُجُوهًا من الأدلة العقلية على عدم حياة الْخَضِرِ: [1] كَنَّ الشيءُ كُنونًا: استتر.
(2) "البداية والنهاية" (2/ 265 - 268)، طبعة دار هجر (1417 هـ - 1997 م).
(3) "أضوء البيان" (4/ 163 - 171) بتصرف.