مصدر، ونسبة، وزمن، عند كثير من البلاغيين، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا، فيتسلط عليه النفي، فيؤول إلى النكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم؛ وإلى كون الفعل- في سياق النفي، والشرط، من صيغ العموم، أشار في "مراقي السعود" بقوله عاطفًا على ما يفيد العموم:
وَنَحْوُ لَا شَرِبْتُ أَوْ إنْ شَرِبَا ... وَاتَّفَقُوا إنْ مَصْدَرٌ قَدْ جُلِبَا
فإذا علمت أن معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَد فِي الأرْضِ"؛ أي لا تقع عبادة لك في الأرض؛ فاعلم أن ذلك النفي يشمل بعمومه وجود الْخَضِرِ حيًّا في الأرض؛ لأنه على تقدير وجوده حيًّا في الأرض، فإن اللَّه يُعْبَدُ في الأرض، ولو على فرض هلاك تلك العصابة من أهل الإسلام؛ لأن الْخَضِرَ ما دام حيًّا، فهو يُعْبَدُ في الأرض.
الثَّالِثُ: إخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه على رأس مِئة سنة من الليلة التي تكلَّمَ فيها بالحديث لم يَبْقَ على وجه الأرض أحد ممن هو عليها تلك الليلة، فلو كان الْخَضِرُ حيًّا في الأرض لما تَأَخَّرَ بعد المائة المذكورة، روي مسلم بسنده إلى عبد اللَّه بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: صَلَّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته؛ فلما سَلَّمَ قام، فقال: "أرأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَ عَلَى رأسِ مِئَةِ سَنَة مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِهَا أحَد"، قال ابن عمر: فَوَهَلَ [1] الناس في مقالة رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن ماِئَةِ سنة، وإنما قال رسول اللَّه -صلى الئَه عليه وسلم-: "لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أحَدٌ"، يريد بذلك أن يَنْخَرِم ذلك القرن [2]. [1] فَوَهَلَ: الوَهَل: الفزع، وَهِلْتُ أَهِلُ وَهَلًا: إذا فجأك أمر لم تعرفه، فارتعت له، وَوهل يَهِل إلى الشيء وَهْلًا: إذا ذهب وَهْمُه إليه، "جامع الأصول" (10/ 389)، وانظر: "النهاية" (5/ 233). [2] وحكى الحافظ أبو القاسم السهيلي في كتابه "التعريف والإعلام" عن البخاري، وشيخه أبي بكر بن العربي: أنه أدرك حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن مات بعده، لحديث الصحيحين: =