يكن خطأ؛ فمني ومن الشيطان" [1].
فهذا عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أفضل المحدَّثين -إن وجِدوا-، وقد شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إنِّي لأنْظُرُ إلى شَيَاطِينِ الجِن والأنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ" [2]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن اللهَ جعَلَ الحَق علَى لِسَانِ عُمَرَ وقَلْبِهِ" [3]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: لَوْ كَانَ نَبي بعْدِي لكَانَ عُمَرَ" [4]، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: "ما كنا نُبْعِدُ أن السكِينة تنطق على لسان عمر" [5].
وكان عمر يقول: "اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنه تتجلى لهم أمور صادقة" [6].
ومع ذلك لم يعتبر آراءه حقًّا صوابًا، بل كان يتَّهم نفسه؛ كما سبق؛ ولذلك كان يعرض آراءه على الكتاب والسنَّة.
المُحدَّثُ يَجِبُ أن يعرضَ آراءَهُ علَى الكِتَابِ والسَّنَّةِ:
لما كان المحدَّث لا يعلم أن ما في قلبه من الله؛ فإنه يلزمه -ليعلم صحة ذلك- أن يعْرضَهُ على ميزان صحيح واضح، وليس ذلك إلا كتاب الله، وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت هذه حالة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- مع نفسه وغيره.
فليس في المحدَّثين أفضل من عمر، وقد وافق ربَّه في عدة أشياء، ومع هذا، فكان عليه أن يعتصم بما جاء به الرسول، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول، ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله.
(1) "مدارج السالكين" (1/ 40).
(2) "صحيح سنن الترمذي" (3/ 207) (2914).
(3) "نفسه" (3/ 204) (2908).
(4) "نفسه" (3/ 204) (2909).
(5) "سير أعلام النبلاء: سير الخلفاء الراشدين" ص (76). [6] ذكره في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ص (52).