المُحَدَّثِينَ الملهمِين؛ ولهذا إذا نزل المسيح ابن مريم في أمَّتِه لم يحكم فيهم إلا بشرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" [1]. اهـ.
وقال -أيضًا- رحمه اللَّه-: "المُحَدَّثُ كان فيمن قبلنا، وكانوا يحتاجون إليه .. وأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لا تحتاج إلى غير محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" [2]. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه-: "وقوله: (إنْ يَكُ في أُمَّتِي)، قيل: لم يورد هذا القول مورد الترديد؛ فإن أمته أفضل الأمم، وإذا ثبت أن ذلك وُجِدَ في غيرهم، فإمكان وجوده فيهم أولى [3]، وإنما أورده مورد التأكيد، كما يقول الرجل: "إن يكن لي صديق، فإنه فلان"، يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء، ونحوه قول الأجير: "إن كنتُ عملتُ لك، فَوَفنِّي حقي"، وكلاهما عالم بالعمل، لكن مراد القائل أن تأخيرك حقي عملُ مَنْ عِنْدَهُ شكٌّ في كوني عملتُ.
وقيل: الحكمة فيه أن وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه، وسبب ذلك احتياجهم، حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي، واحتمل عنده -صلى الله عليه وسلم- ألَّا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك، لاستغنائها بالقرآن عن حدوث نبي، وقد وقع الأمر كذلك؛ حتى إن المحدَّث منهم إذا تحقق وجوده؛ لا يحكم بما وقع له، بل لابد من عرضه على القرآن، فإن وافقه، أو وافق السنة، عمل به، وإلا تركه، وهذا -وإن جاز أن يقع- لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبنيًّا على اتباع الكتاب والسنة" [4]. اهـ.
(1) "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/ 382، 383).
(2) "الفتاوى الكبرى" (5/ 107) بتصرف. [3] بل مقتضى أفضلية هذه الأمة المحمدية استغناؤها عن المحدثين، لكمال دينها، وإن فرض وجودهم فإن الشرع مستغن عنهم، وحاكم عليهم لا العكس، كما تقدم من كلام شيخ الإسلام، وكما يأتي من كلام ابن حجر -رحمه الله تعالى-.
(4) "فتح الباري" (7/ 50، 51).