[3] - إن اتصال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالناس قد انقطع بوفاته؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنَّة، فمن ذلك حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُون حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا"، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن أناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيُقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} - إلى قوله {الْحَكِيمُ} " [1] [المائدة: 117، 118].
قال الألوسي: "ومعني الجملتين: أني مادمت فيهم كنت مشاهدًا لأحوالهم؛ فيمكن لي بيانها، فلما توفيتني كنت أنت المشاهد لها لا غيرك، فلا أعلم حالهم، ولا يمكنني بيانها" [2].
ففي الحديث -كما ترى- تصريح بانقطاع الاتصال بين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين الناس بعد مماته.
وقال ابن القيم: "فالعلم اللدني نوعان: لدني رحماني، ولدني شيطاني، والمِحَكُّ هو الوحي، ولا وحي بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" [3].
4 - وقد اختلف الأصوليون: هل يجوز للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تأخير البيان إلى وقت الحاجة، أو لا يجوز له ذلك؟ أما تأخير البيان إلى ما بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يقل به عاقل فضلًا عن عالم مُنْصِفٍ يطلب الحق، ويتحرى الحقيقة. [1] رواه البخاري (6/ 368، 387 - فتح)؛ ومسلم (17/ 194 - نووي)، وراجع التعليق عليه ص (58 - 60).
(2) "روح المعاني" (7/ 69).
(3) "مدارج السالكين" (2/ 261).