يقول شيخ الإسلام في شأن أصحاب الأحوال الشيطانية:
(وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم، وتتمثل لهم، وهي جن وشياطين، فيظنونها ملائكة؛ كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام.
وكان من أول ما ظهر من هؤلاء في الإسلام: المختار بن أبي عبيد الذي أَخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في "صحيحه" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبيرٌ" [1]، وكان الكذَّاب: المختار بن أَبي عبيد [2]، والمبير: الحجاج بن يوسف، فقيل لابن عمر وابن عباس: إن المختار يزعم أَنه يُنَزَّلُ إِليه، فَقَالَا: صدق، قال اللَّه تعالى-: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} [الشعراء: 221 - 222].
وقال الآخر: وقيل له: إن المختار يزعم أَنه يُوحَى إلِيه، فقال: قال اللَّه -تَعَالَى-: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121]) [3].
(والأسود العنسي الذي ادَّعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأُمور المغيَّبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون مِن الشياطين أَن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته، لما تبيَّن لها كفره، فقتلوه.
وكذلك مسيلمة الكذَّاب، كان معه من الشياطين من يُخْبِرُهُ بالمغيَّبات، ويعينه على بعض الأمور.
وأمثال هؤلاء كثيرون؛ مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن [1] رواه مسلم (16/ 100 - نووي)، والمبير: المهلِك. [2] ومن طرائف الأخبار: أن سراقة البارقي -وكان من ظرفاء المدينة- أسره رجل من أصحاب المختار هذا، فأتى به المختار، وقال: "أسرتُ هذا"، فقال: "كذبتَ، ما أسرني إلا رجل عليه ثياب بيض على فَرَس أبلق"، فقال المختار: "أما إن الرجل قد عاين الملائكة، خلوا سبيله"، فأفلت منهم بدهائه وحسن تخلصه.
(3) "الفرقان" ص (86).