بألفاظهم وأسانيدهم ثم يعزونه إلى كتب السنة.
فجوابه أن يقال مراد المؤلف وأبي رية بذلك ما فعله البيهقي في سننه والبغوي في شرح السنة فإِنهما إذا أخرجا الحديث من الطريق التي أخرجها منه البخاري ومسلم أو أحدهما قالا بعده رواه البخاري عن فلان ومسلم عن فلان, وقد يكون في لفظ البيهقي أو البغوي بعض المخالفة للفظ البخاري ومسلم مع اتفاق المعنى ومع ذلك لا يبين اختلاف اللفظ, وهذا جائز عند المحدثين, ولا يقدح في الحديث ما يقع فيه من الاختلاف في بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى, وعلى هذا جرى عمل العلماء من أهل الحديث قديماً وحديثاً, ولا عبرة بمن خالفهم من تلامذة الإِفرنج ومقلديهم من جهال العصريين وزنادقتهم.
ويظهر من كلام المؤلف وأبي رية أنهما أرادا به الاعتراض على البيهقي والبغوي ومن صنع مثل صنيعهما في إيراد الحديث وذكر من خرجه من أهل الكتب الستة مع ما يقع بينهم من الاختلاف في بعض الألفاظ. وأرادا أيضا التشكيك في الأحاديث الصحيحة التي يرويها البيهقي في سننه والبغوي في شرح السنة وقد قال الله تعالى (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
وأما ما ذكره عن الخطيب البغدادي أنه روى عن البخاري أنه قال رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقيل له يا أبا عبد الله بكماله, فسكت, وقال حيدر بن أبي جعفر والي بخارى قال لي محمد بن إسماعيل البخاري يوماً رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت يا أبا عبد الله بتمامه, فسكت.
فجوابه من وجهين أحدهما أن يقال إن البخاري رحمه الله تعالى كان آية في الحفظ والإِتقان ومشهوراً بذلك عند المحدثين. وقد كان كثير من شيوخه يقرون له بالفضل والتقدم وكذلك أقرانه ومن بعدهم من أئمة الحديث.
وقد تقدم [1] ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي أحمد ابن عدي أن البخاري لما قدم بغداد اجتمع أصحاب الحديث وأرادوا امتحانه فعمدوا إلى مائة [1] ص: 40 - 41.