وفي هذا الحديث دليل على المنع من إقامة الولائم في المآتم ومن اتخاذ ليلة المولد النبوي عيداً لأنه لو كان في هاتين البدعتين شيء من الفضائل التي تقرّب من الجنة وتباعد من النار لبيّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته لأنه لا خير إلا وقد دلهم عليه ورغبهم فيه ولا شر إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه, ومن استحسن هاتين البدعتين وزعم أن فيهما شيئاً من الفضائل التي تقرب من الجنة وتباعد من النار فإنه يلزم على قوله أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قصّر في البيان لأمته وكتم عنهم ما فيه خير لهم في معادهم, وهذا قول سوء لا يصدر إلا من إنسان مشكوك فيه إسلامه.
وفي الحديث أيضاً أبلغ رد على صاحب المقال الباطل وعلى كل من استحسن بدعتي المأتم والمولد وزعم أن فيهما فضائل ترجى بركتها ونفعها في الدار الآخرة لأن هذا القول الباطل يتضمن الاستدراك على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وليس الاستدراك عليه أمراً هيناً وإنما هو من الأمور المنافية للإيمان لأن الله تعالى يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وأمرهم أن يعضوا عليها بالنواجذ وأخبرهم أن خير الهدي هديه وأن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, وحذرهم من المحدثات وبالغ في التحذير منها وأمر بردها وأخبر أنه لا يؤمن أحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به - صلى الله عليه وسلم -. فهذا من أقضيته التي أمر الله تعالى بتحكيمه فيها وأن لا يكون في النفوس حرج منها وأن تقابل بالقبول والتسليم, وفي كل جملة من هذه الأقضية العظيمة أبلغ رد على الذين